كلمة الشيخ محمد سعيد بادنجكي في حفل المولد - احتفال جامع أويس القرني بالمولد النبوي الشريف
أقيم احتفال نبوي في جامع أويس القرني في حي السكري بحلب بإشراف الشيخ حمدي كنجو المخزومي وبحضور عدد كبير من طلبة العلم وذلك يوم الإثنين الواقع في 17/ربيع الأنور/1429 الموافق 24/آذار/ 2008 وقد أحيا الحفل فرقة الإخلاص الدمشقية بقيادة المنشد منصور زعيتر وكانت الكلمة الأولى لفضيلة الدكتور الشيخ المحدث محمد سعيد بادنجكي
الحمد لله رب العالمين حمد الشاكرين على رحمته المهداة، ونعمته المسداة سيد ولد آدم، صلوات ربنا وتحياته المباركات الزاكيات عليه وعلى لآله وأصحابه أجمعين يقول الله عز وجل فيما امتن على هذه الأمة و أعظم به من امتنان: ? لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم بالمؤمنين رؤوف رحيم? ويقول أيضاً:? لقد من الله على المؤمنين إذ بعث إليهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليه آياته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين? إنها منة وأعظم بها من منة إنها نعمة و أكرم بها من نعمة أن اختار الله للإنسانية بعد جاهلية جهلاء وضلالات عمياء وتقاليد وأعراف نكراء تداركها بهذه الرحمة عندما شهدت بطحاء مكة قبل ثمانين وأربعمائة وألف عام شهدت ولادة أكرم مولود على وجه البسيطة ولادة أحب الخلق إلى الخالق إنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي.
ولقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن ولادته تعريفاً بفضل الله عليه وتنبيهاً للأمة على ما ساقه الله إليها في هذا الفضل العظيم العميم فقال فيما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل وابن حبان وغيرهما عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى عليه وسلم:(إني مكتوب عند الله بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبأكم بأول ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام).
حقيق بهذه الأمة التي أكرمها الله تعالى بهذا النبي الخاتم أن تشكر الله في  يوم مولده، وأن تتخذ من هذا اليوم يوماً يليق بعظمة هذه النعمة لا أن تقف عند المظاهر الجوفاء، وعند هذه الأحفال التي لا يدفع إليها المسلمين إلا حب صادق وعاطفة جياشة ، ولكن أيكفي هذه الأمة أن تعبر عن هذه العواطف الجياشة لأطهر حب وأسمى حب وأجل حب ،حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصيدة تهتز لها الأعضاء ويتمايل لها الناس هل يكفي هذا؟ أوَ هذا هو قدر النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن شأن نبينا صلى الله عليه وسلم أجل وأسمى من أن تستطيع الدنيا كلها لو أثنت عليه أن توفيه معشار معشار ما له من الفضل والمنة على هذه الأمة، ولا أعني بها أمة الإجابة، بل أعني بها أمة الدعوة وهم الناس جميعا ،لا تقزموا قدر نبيكم، إرفعوا قدر هذا النبي كما رفعه ربه ،اهتفوا بسجاياه وبأخلاقه لا تهتنفوا باسمه فحسب، إن الهتاف الذي يتقبله الله منا هو أن تحمل هذه الحنايا والضلوع حبه يدفعنا إلى الاقتداء والتأسي به.
 لقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أن تحتفي بيوم مولده، بل إنه لفت الأنظار إلى يوم مولده لفتاً كريماً وذلك فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة الأنصاري في حديثه الطويل عندما جاء رجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامه أي صيام النبي فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً إلى أن قال سيدنا عمر يا رسول الله: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً فسرّي عن رسول الله ثم جعل الرجل يتلطف في مسألة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال له: ما تقول في صيام يوم الإثنين؟ ماذا تقول في صيام يوم الإثنين من أجر ومثوبة وفضل ومنزلة ومكانة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ذاك يوم ولدت فيه وأنزلت علي النبوة ) وفي رواية: (وأنزل عليّ فيه) أما تجدون معي بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعانا إلى الاحتفال بيوم مولده في كل يوم من أيام الإثنين؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الإثنين الذي يأتي في كل عام اثنان وخمسون مرة، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يرشد الأمة إلى أن تحتفل بيوم مولده في كل أسبوع مرة كما تحتفل في يوم الجمعة مرة والعلاقة بين الجمعة والاثنين: أن يوم الجمعة هو يوم ولادة البشرية، حيث جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام النسائي بإسناد صحيح عن أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا من الصلاة عليّ فيه فإن صلاتكم معروضة علي».
نعم إن يوم الجمعة هو يوم ولادة الإنسانية آدم عليه السلام، ولهذا شرع لنا أن نتخذه يوم عيد، وكذلك يوم الإثنين هو يوم ولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلينا أن نتخذه عيداً، ولكننا نتخذه بمنهج صاحب المولد صلى الله عليه وسلم.
لقد اعتاد الناس أن يسمعوا في هذه الأحفال الكوائن العجائب التي رواها أهل السير في يوم مولده ولا أريد أن أعرض لهذه الكوائن والعجائب لا بتصحيح ولا بتضعيف وإن كان أكثرها لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نبه على ذلك أهل العلم الثقات أهل الحديث، ولكن أريد أن أشنف أسماعكم بحادثة قد تكون لم تسمعوا بها من قبل إنها حادثة وقعت في يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الحادثة قد سجلها الله تعالى في محكم آياته في سورة من سوره يقرؤها ناشئة المسلمين كما يقرؤها عليتهم وهي قوله عز من قائل: ?ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل? إلى آخر السورة التي يعرف المسلمون سبب نزولها وأن سبب نزول هذه الآية عندما غزا أبرهة الحبشي مع جنوده وجيشه الجبار، ولكن الله هزمهم شر هزيمة، فأرسل عليهم جماعات من الطير ترميهم بحجارة حتى كانوا كالعصف كالتبن المأكول.
هذه الحادثة متى وقعت؟ يقول بعض أهل السير إنها وقعت قبل ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين ليلة، وعلى هذا أكثر أهل السير ومنهم من يقول: إنها وقعت قبل المولد بعشر سنوات، ومنهم من يقول بخمس وعشرين سنة، وكل هذه الروايات ليس فيها رواية واحدة مروية بالسند المتصل كل أسانيدها منقطعة ولا تصح، لكن هناك رواية قد أغفل الناس ذكرها وهي رواية ثابتة قد ذكرها غير واحد من أهل الحديث :رواها الإمام يحي بن معين في كتابه «التاريخ»،ورواها بن سعد في «الطبقات»، وذكرها بن سيد الناس في «عيون الأثر»، وهي عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، ونحن نقول أهل مكة أدرى بشعابها، وأهل البيت أدرى بما في البيت ممَّن هو خارج البيت، فرجل يقول: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل، ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هزيمة أصحاب الفيل، وقد دل حديث العرباض بن سارية بأن والدته آمنة وضعته عند الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم، ورأت أمي حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام ،وهذا ما ذكره المؤرخون بأن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت فجرا، أما هزيمة أصحاب الفيل فكانت في ذلك اليوم، والآن قل لي بربك ألا ترى في هذه الرواية عن عبد الله بن عباس بأن أبرهة وجنده إنما هزموا هزمهم الله تعالى تكريماً وتبجيلاً لمولد هذا النبي الذي هزم الله ببعثته جيوش الكفر وصناديد الضلالة نعم إنه مع أنه لم يطرق أسماع بعض الناس وما كل جديد منكور ولا كل قديم مقبول وقد يقول قائل: ألم يروي أصحاب السنن أو أصحاب السير بأن الله هزم أبرهة حماية للبيت الحرام نقول أيضاً هذه رواية غير صحيحة والله تعالى قد سلط على الكعبة المشرفة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وقبل أبرهة بعض الجبابرة المفسدين فهدموها مرتين ،وهذا في حديث رواه الإمام ابن خزيمة أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: (هدمت الكعبة مرتين وترفع في الثالثة)أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بأن الكعبة قد سلط الله عليها من يهدمها أو من هدمها في الماضي مرتين، فإذا كانت المرة الثالثة رفعها الله إلى عليائه وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في آخر الزمان سيأتي رجل من الحبشة يقال له ذو السويقتين سينقضها حجراً حجرا، وهذا يدل على أن الكعبة يمكن أن يسلط عليها بعض الجبابرة والطغاة فيهدمونها ،وقد سلط عليها من هدمها فإذا كان الأمر كذلك فلم يبق إلا أن الله عز وجل صرف أبرهة وجنده عن مكة والكعبة في يوم مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم.
أردت أن أشنف الأسماع بهذه القصة وبالإشارة إليها لتعرفوا ولتزدادوا معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أريد من هذه المعرفة أن تزدادوا بها علماً، بل أريد تزدادوا بها حبا فإن أصل الحب هو المعرفة فمن لم يعرف الأشياء على حقائقها فكيف يحبها وأنى يتسنى له الحب؟!.
من هنا فإني أدعوكم إلى الاستزادة من التعرف على هذا النبي صلى الله عليه وسلم بأخلاقه بشمائله بهديه بدينه بما بعثه الله به من الهدى والحق فإنكم كلما تمكنتم في منازل المعرفة تبوأتم أسمى المقامات عند الله مقامات القرب.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يحبب إلينا هذا النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، وأن يجعل حبه في قلوبنا أحب إلينا من أنفسنا ومن أهلينا ومن الناس أجمعين، وأن يحيينا على سنته، وأن يميتنا على سنته، وأن يحشرنا تحت لوائه وأن يكرمنا بشربة هنية من يده المباركة الشريفة إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين والمبعوث رحمة للعالمين والحمد لله رب العالمين.
وكانت الكلمة الثانية للشيخ عبد العزيز بن الشيخ سهيل الخطيب الحسني مدير معهد التهذيب والتعليم الشرعي وخطيب جامع الدرويشية بدمشق تحدث فيها عن نصرة الله عز وجل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعن الإساءات الأوربية من خلال رسوماتهم الشائنة، وأن هذه المجالس ترد على الإساءات الأوربية، وهذا تعبير على حب سيدنا محمد صلى الله عليه، ثم تحدث عن حب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإن إقرارنا بحب النبي صلى الله عليه وسلم من خلال تمسكنا بهديه صلى الله عليه وسلم وقال: يجب أن نقدم هدية للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم ولتكن الهدية اليوم سنة الوتر وطلب من الحضور أن يعاهدوا الله والرسول أن لا يناموا حتى يصلوا ركعة الوتر، والهدية الثانية، أن يقدموا العهد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصلوا عليه في كل يوم مئة مرة، وكذلك تحدث عن حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
والكلمة الثالثة كانت للشيخ عبد الله الشامي فقد اوفده المفتي العام للجمهورية العربية نيابة عنه، وقد تحدث عن معجزات النبي صلى الله عليه بعد حياته عليه الصلاة والسلام، واستشهد على ذلك بوعد النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة أنه يلبس سواري كسرى، وتحدث عن الفتن في آخر الزمان التي اخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقد تحقق الكثير منها.
وأخيراً دعا دعاء الختام الشيخ عبد السلام جعارة إمام جامع الإخلاص في حي السكري.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين