مفارقات بين ثبات المعتصمين السلميين وخسة الانقلابيين الدمويين

أ.د. صلاح الدين سلطان

 
 
سيكتب التاريخ مرحمة المعتصمين السلميين وثباتهم بحروف من نور يضيئ للأجيال التالية، كما سيسجل بحروف من نار الرَصاص ملحمة الانقلابيين الدمويين بأشكال من الخسة والنذالة غير مسبوقة لطَّخت تاريخ الجيش والشرطة بدماء وشواء أجساد المصريين، سيخجل منها كل مصري حر، بل كل إنسان في العالم، وإليكم أمثلة من نبل وثبات أولئك المعتصمين السلميين ووضاعة وخسة هؤلاء الانقلابيين الدمويين:
1.     عندما يجلس عشرات الملايين خمسين يوما، أي 1200 ساعة، في رابعة والنهضة والميادين في كل محافظات مصر ال27 ، ولا يزالون رغم الجراح، ولا يستجيب لهم الجيش وينحاز قادة الانقلابيين للتمرد لبضعة ملايين على رواية الفنان خالد يوسف حيث وقفوا ست ساعات فقط، وأعدته مخابراتهم بتآمر خارجي صهيوأمريكي خليجي ، فهذا مجانبة الحقيقة والعدالة وانحياز للخسة والنذالة، ويُتهم الجيش بأنه جيش المؤامرات ردة على ثورة 25 يناير.
2.     عندما يجلس المعتصمون خمسين يوما، ونَعِم موظفو ومباني وزارتي الداخلية والدفاع في سلمية وأمان المعتصمين، دون كسر شباك واحد، أو إيذاء جندي من رجال الداخلية والدفاع الذين ظلوا بيننا وسط الميدان في رابعة، يعملون دون تعطيل مصالحهم، فهذا قمة النبل الخلقي في السلمية، ثم تستخدم المباني نفسها كلها في القنص والضرب وتخزين الأسلحة والقنابل والجرافات والدبابات والمصفحات، فهذه قمة السفاهة والخسة معا.
3.     عندما يُضبط بلطجية وضباط وجنود الشرطة في المسيرات ومجزرة المنصة ورمسيس ومسجد الفتح وهم يقتلوننا فيعالجون ويسلّمون للجيش أو الشرطة، فهذا قمة النبل والمسئولية، على حين رأيت بعيني الوحوش البشرية تضرب بكل حماقة الرجال والنساء والأطفال في الحرس ورمسيس والمنصة ورابعة والفتح، وعندما يتقدم الأطباء للإسعاف، أو ذوو المروءات لحمل الجرحى أو الشهداء كان القناصون من الجيش والشرطة والبطجية يصطادونهم، ورأيت بعيني القناصة يضربوننا ونحن نصلي الظهر داخل مستشفى رابعة فيسقط خمسة فهذا قمة الوضاعة والانحطاط.
4.     عندما كنا نعلن استغاثة عبر القنوات من منصة رابعة أو منبر مسجد الفتح نريد أطباء جراحين أو مواد طبية للعمليات الجراحية في المستشفيات الميدانية التي صارت أهم من الهواء والماء والغذاء في كل مسيرة أو اعتصام، فيأتي أطباء من كل جانب، ونضطر بعد فترة أن نطلب من الأطباء غير المتخصصين أن يعطوا فرصة للمتخصصين، حتى لوحظ أن طبيبا داخل المستشفي الميداني بمسجد السلام بجوار رابعة لم يصل الظهر، فقالت له الطبيبة التي كانت تجري العمليات الجراحية: لماذا لم تصل؟ "مش ضامنين عمرنا" فقال: أنا مسيحي!  فها هو نبل المصريين نفسه قد عاد للمعتصمين برابعة والنهضة من ثورة 25 يناير، يوم توضأ المسلم من ماء المسيحي، ولا يزال الإسلاميون يحمون الكنائس إلى اليوم نُبلاً وخُلقًا إسلاميا أصيلا، لكن علماء السلطة وعملاء الشرطة يفتون بدم بارد بقتل المعتصميين على أنهم "خوارج"! وهم هم من أفتوا بأن الخروج على نظام مبارك حرام حرام حرام، ويُقتل فاعله وهو ملعون، ثم أجازوا الخروج على الرئيس المنتخب د.مرسي، ويُفتون اليوم أن الخروج على الدبابة والبيادة يستحقون القتل لأنهم "خوارج" وينفذ الجيش والشرطة والبلطجية ذلك بقلب ميت، ويقتلون البرآء، ثم يحرقونهم ويجرفونهم، وفي اليوم نفسه يجرفون منطقتي النهضة ورابعة، والقمامة مليئة بالمصاحف والأجساد المحترقة، ولم يسمح للنيابة أن تزور المكان، ولا أن يكتب أحد تقريرا، ولا يسمح -إلى اليوم - لأحد أن يقترب من مخلفات موقعتي رابعة والنهضة، وإلا صارت هولوكوست شارون مصر" السيسي"، ويكتمل مشهد الخسة بتعذيب وحرق المعتقلين في أبو زعبل، ومؤامرة قتل جنودنا في سيناء، وتُلصق - إعلاميا - زورُا وبهتانا بالإسلاميين كي تغطي على هذه المذابح، وتصل النذالة والخسة ذروتها في منع الأُسر من استلام الجثث المقتولة والممزقة والمحروقة إلا بعد التوقيع أن أبناءهم انتحروا قتلا وحرقوا أنفسهم على أساس أن الشهيد - رغم قتله - حي لم يمت فيستطيع "أنه يولع في نفسه"!.
5.     عندما يُقتل 6000 ظلمًا في خمسين يوما، ويجرح 25000، ويسجن ظلمًا 12000، من هؤلاء خيرة المعتصمين سلميًا باعتراف المستشار الديني للسيسي الشيخ سالم عبد الجليل، ثم يظلون على سلميتهم فيُعتقل أ.د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين، وقادة الجماعة الإسلامية دون طلقة واحدة ممن قالوا هم قادة الإرهاب في العالم، ويظلون يخرجون كل يوم وليلة متحَدِّين حظر التجول، في مسيرات على الأقدام أو بالسيارات أو الموتوسيكلات أو السلاسل البشرية أو.... لدرجة خروج الملايين في 300 مسيرة يوم جمعة الشهداء يوم 16/10/ 1434هـ الموافق 23/8/2013م فهذا قمة الثبات والرجولة والقوة والطاعة لله ورسوله وللعلماء الأثبات والرجال الأحرار في قيادة التحالف الوطني لدعم الشرعية، وفي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، وهيئة العلماء، وجبهة علماء ضد الانقلاب، وجبهة علماء الأزهر، و56 من كبار علماء السعودية وآخرين في دول العالم، بل تحولت رابعة إلى رمز في ميادين تركيا وماليزيا واستراليا وفرنسا وواشنطن وبرلين وإيطاليا وإيرلندا والهند واليابان وفرنسا ولندن و.....، وعندما يواجه هؤلاء من فم الرصاص وبالحرق بما يزيد عما أنجزه الجيش المصري في 3 حروب ضد الصهاينة في 1956/1967/1973م فلم يقتلوا أو يجرحوا أو يأسروا ربع هذا العدد من الصهاينة المحتلين الذين احتلوا سيناء ودخلوا لعمق المجتمع المصري في نكسة 67 فصاروا كما قال الشاعر عمران بن حطان:
أسد علي وفي الحروب نعامة    فتخاء تنفر من صفير الصافر
حتى قال المستشار أحمد مكي وزير العدل السابق على قناة الجزيرة يوم 19/10/1434هـ الموافق 26/8/2013م لقد بلغت بشاعة وفظاعة الجيش المصري فوق الكارثة التي يأنف الصهاينة أن يقوموا بها، فصار انقلابهم "سرقة بالإكراه لصوت الشعب مقرونة بالقتل البشع"، فهل هناك خسة تاريخيا تفوق ذلك أمام نبل المعتصمين السلميين وثباتهم، وقد صار حلمنا ونٌبلنا وثباتنا أمام خستهم ووضاعتهم كما قال الشاعر ابن الصيفي:
 
حَكَمنا فكان العفو منا سجيةً           فلمَّا حَكمتم سال بالدم أبطح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا           وكل إناء بالذي فيه ينضح
 
 
يا إخواني لا تهنوا ولا تحزنوا ولا تستكينوا؛ فاستمروا على سلميتكم ورباطكم حتى " يَحْكُمَاللَّهُوَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" (يونس: من الآية109)، لأن هنا إلهًا واحدًا لهذا الكون والأمر كله بيده، وليس من الكنيست أو البيت الأسود أو المجلس العسكري، بل القانون الإلهي هو الحكم كما قال تعالى:
 
1.    "وَلَقَدْأَرْسَلْنَامِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" ( الروم : 47).
2.    "وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ" (غافر: من الآية5).
3.    "سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ" (القمر:45-46).
4.    "قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ" (النحل:26).
 
فانتظروا إنا منتظرون..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين