هل في الشر خير 2 - درس من قصة الإفك
قدمنا في التجديد السابق قسماً من بحث فضيلة الشيخ محمد سعيد الطنطاوي حفظه الله تعالى بعنوان :«هل في الشر خير؟» (دروس من قصة الإفك). وقد تعرض الشيخ إلى أهمية إثارة مثل هذه البحوث لمعالجة واقعنا وتشخيص أدوائنا وأورد الحادثة كما جاءت في كتب السنة، ثم استعرض بعض الدروس من هذه الحادثة ومنها : فضح المنافقين، وتنبيه الغافلين، وتثبيت المؤمنين، ونتابع في هذا التجديد بقية دروس هذه المحنة التي تتبدى فيها وجوه الخير التي أورد أستاذنا الطنطاوي حفظه الله سبعاً وعشرين جانباً من جوانب الخير فيها.
 
اختبار وامتحان:
4 ـ بالإضافة إلى أنه اختبار وامتحان، به يكشف حقيقة الناس وطويّة كل منهم، ككثير ممَّا جاء في الكتاب الكريم:[وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا] {الإسراء:60}.[وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ] {المدَّثر:31}..
استدراج الظالمين:
5 ـ وهو استدراج للظالمين،هؤلاء المنافقين، الذين لم يتركوا مناسبة لإيذاء رسول الله e، أو خِذلانه، أو الكيد للإسلام والمسلمين، إلا اغتنموها، فكان في أمر الإفك مجال يغتنمونه، فيؤدي بهم الأمر إلى الوقوع فيه، ومن ثمَّ إلى استحقاق عقابه.
التثبت في الأمر والبعد عن التسرع:
6 ـ كما أنَّه تحذير للمؤمنين،وتنبيه للناس، للتثبُّت في كل أمر، وحضّ على البعد عن التسرُّع، ودفع للتبيّن كي يتبصَّر المؤمن في كل خطوة من طريقه، فلا يغمض عينيه ويتبع ما يقوله الناس أو يبديه له هواه.
المؤمن معرَّض للبلاء:
7 ـ ويبيّن أمر الإفك، أن المسلم، مهما ارتفع مقامه، وعلت منزلته، وسما به تُقَاه، مُعرّض لأي لون من البلاء، فعليه أن لا يستكين إلى درجته، ويطمئن إلى مكانته، بل عليه أن يتوقع دوماً كل أمر من أي نوع، وذلك أنه إذا وطّن نفسه على السرَّاء دوماً، أو على الأقل على عدم البلاء، أو وطّن نفسه على بلاء في جسمه وماله فقط، فإنه حين تنزل به نازلة، أو تحل بساحته مصيبة، قد يتزعزع إيمانه! وينحرف،والعياذ بالله، عن الطريق:[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ...] {الحج:11}.
ولهذا لم يكن ابتلاء الله عزَّ وجل رسوله، بما تُحدِّث به عن سمعة زوجه، غضباً من الله عليه، وإنما كان تعليماً لكل مؤمن.
ليست النعم دليل رضا الله عن العبد:
8 ـ ويصحِّح لنا أمر إفك المقاييس التي نستعملها في فهم الحياة، واللتي قد يكون من بينها، ما يحسبه بعض الناس من أن النعم دليل رضا الله عن العبد، وأنَّ البلاء يكون دوماً عقاباً أو دليلاً على السخط.
فلو كانت الدنيا جزاءً لمحسن إذن لم يكن فيها معاش لظالم
لقد جاع فيها الأنبياء كرامة وقد شبعت فيها بطون البهائم
الدنيا الحياة رحلة اختبار:
9 ـ ويبصرنا ايضاً بالحياة، فيذكرنا بأن الغاية منها ليس الاستمتاع والسعي للأهداف الجزئية أو طلب الربح المادي أو العمل لتجنُّب الضَّرر المادي، وبعبارة أخرى: ليست الحياة غاية بذاتها، وإن شئت فقل: ليست غاية الحياة ضمن الحياة وإنما بعدها. فهذه الحياة إنما جعلت للاختبار:[أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ] {العنكبوت:2}.وهذا الاختبار قد تكون أداته ما تميل إليه النفس، كالعافية والغنى والجاه، أو ما تكرهه وتنفر منه، كالابتلاء في الجسم والسمعة والمال والولد..[ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] {الأنبياء:35}.
قد يكون البلاء نعمة:
10 ـ كما يذكرنا بأن البلاء قد يكون نعمة، ينعم الله بها على عباده الذين يعلم منهم أنهم يتحمَّلون هذا البلاء، ويصمدون فيه، ويظلون واعين لمبدئهم، فاهمين لغايتهم راضين ـ في كل أمورهم ـ عن ربِّهم، ولذلك كان : «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل».
ولما في الصبر على البلاء من خير كبير، وأجر عظيم، كان فرصة للخير كريمة، ومجالاً لنيل الثواب والرضوان من الله واسعاً:«إذا أحب الله عبداً ابتلاه».
وعلى هذا فلم يكن ابتلاء الله عزَّ وجل عائشة رضي الله عنها بحديث الإفك مصيبة من الله عزَّ وجل تدل على نقمته عليها أو على الأقل على عدم إكرامه لها،وإنما كان من أعظم المنِّ والنعمة والفضل.
مواساة كبيرة:
11 ـ وفي أمر الإفك عظة بليغة، إذ فيها مواساة كبيرة لكلِّ من وقع في شدّة أو اختبار، وخاصَّة إذا كانت المحنة تتعلق بعرضه وسمعته، فله أسوة في ذلك برسول الله e، ولن يكون أحد أكرم على الله من رسوله، فإذا امتحن الله رسوله بذلك ليزيد في أجره ومنزلته ودرجاته، فله في التأسيّ به، والتذكر له، ما يُخفِّف عنه مصابه، ويُثبت على الاستقامة على الطريق والرضا عن الله أقدامه.
صفاء المؤمن:
12 ـ وأمر الإفك يبيِّن لنا ـ في بعض جوانبه ـ صفاء المؤمن وصحة نظريته، وسداد تفكيره، فلا يقبل أن تعمّي الأباطيل عليه الأمور، أو تعكر عليه نفسه، فها هو أبو أيوب الأنصاري تقول له زوجه أم أيوب رضي الله عنهما: يا أبا أيوب، أتسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى وذلك الكذب، أكنت يا أم أيوب فاعلة؟ قالت: والله ما كنت لأفعله، فقال: فعائشة والله خير منك.
خطر المهاجمة من الميدان الداخلي:
13 ـ كما أن هذا الأمر يُنبه المسلمين إلى أمر خطير هو أنهم يجب ألا ينتظروا المهاجمة من الميدان الخارجي فقط، وألا يتوقعوها من أعدائهم فحسب، فيغفلوا عن الميدان الداخلي، وقديماً تقول العرب: يُؤتى الحذِر من مَأمنه. فاللذين جاؤوا بالإفك، ليسوا بعيدين عن المدينة، وليسوا كلهم بعيدون عن الإسلام، بل قد تورّط فيه بعض الكبار تاب الله عليهم وغفر لهم.
الشيطان عدو:
14 ـ ويذكرنا حديث الإفك، بأن المسلم مُعَرَّض دوماً لهجوم عدوه ـ الشيطان ـ عليه في كل لحظة، وأنه يستعمل في وسوسته وتضليله، كل أداة يصادفها، وكل وسيلة يستطيعها، فهاجم عدداً من المسلمين ـ وإن كان قليلاً استطاع الشيطان أن يُغْريهم ـ لفترة من الوقت بالانحراف فانحرفوا، وكادوا يُوغلون، لولا أن منّ الله عليهم فثابوا وعادوا: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ] {الأعراف:201}.
بلسم للمذنبين:
15 ـ وحديث الإفك بعد هذا بلسم للمذنبين، ودعوةٌ رفيقه للخاطئين، وتأييد وشرح للمبدأ العظيم:[ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ] {الأعراف:156}. وتطبيق لأكرم دعوة:[قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الزُّمر:53}.فهؤلاء النفر من المسلمين الذين وقعوا في هذا الأمر العظيم، أساؤوا إلى زوج رسول الله وإلى رسول الله e، وقد وسعتهم رحمة الله لما تابوا فتاب الله عليهم.
موقف المؤمنين من الإشاعات:
16 ـ وهو تعليم للمؤمنين أن يحكموا في موقفهم من إخوانهم المؤمنين؛ ما يعرفون من إيمانهم واستقامتهم وتقواهم سابقاً، لا ما يسمعونه عنهم من الإشاعات والأقاويل:[لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ] {النور:12}.فإنّ ما عرفوه من الخير عن إخوانهم حقيقة لمسوها بأنفسهم. أما الإشاعات والأقاويل فتبقى محتملةً للخطأ والكذب والبطلان، ولهذا جاء الوعيد الشديد عليها في الآيات والأحاديث:«...وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يَغْدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق..».
لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم:
17 ـ كما أن الإفك يشير لنا أيضاً إلى ما يخطئ به كثير من الناس حينما يرون سوءاً قد انتشر فينزلقون إليه، ويغرقون فيه ظانين أن بقاءهم وحدهم لا معنى له، وقد وقع الناس فيه، ويحسبون أن انتشاره في الناس، كاف لتغييره حكمه، ورفع العقاب عن مجترمه، فالآيات التي نزلت بشأن الإفك، تنصُّ بوضوح على أن :[ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ] {النور:11}.
السَّبق إلى الخير و التحذير من السبق إلى الشر:
18 ـ وأمر على جانب من الأهمية كبير، له شقان أحدهما: زهد كثير من الناس بأن يكونوا في المقدِّمة حينما يُدعون إلى خير قد أباه الناس وساروا على خلافه، فتراهم يزهدون في الأجر العظيم أجر القائد في الخير الذي يقتدى به الناس ويتشجعون «من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».
وشقه الآخر أنهم لا يأبهون كثيراً ولا يبالون بأن يقوموا بأمور من الشر، ويبتدعوا من المخالفة، وينحرفوا في الضلالات بما يتبعهم فيه غيرهم مقلِّدين لهم متشجِّعين بهم. فهم يحسبون أنَّ إثمهم ـ إن فكروا في الإثم ـ مقتصر عليهم، غافلين عن أن :«من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» ولكن الآية من حديث الإفك واضحة صريحة:[ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {النور:11}.
تبيُّن الأمور على حقيقتها والنظر إليها من جميع جوانبها:
19 ـ ثم إنه يدفعنا إلى توسيع أفقنا، وتصحيح نظراتنا للأمور فلا ننظر إليها من جانب واحد، كما يفعل معظم الناس حينما تقع بهم نازلة، أو تصيبهم مصيبة، فيتذمَّرون ويشكُّون ويتسخَّطون، إذ لا يرون في الأمر إلا الوجه القاتم.
ولكن القرآن يعلمنا أن نتبيَّن الأمور على حقيقتها، وننظر إليها من جميع أطرافها فهذا الأمر الخطير، أمر الإفك الذي يحسبه معظم الناس لأول وهلة أمراً بالغ السوء، ومصيبة شديدة النكاية، هو في الحقيقة أمر فيه من الخير للمسلمين، وتعلموا منه دروساً وعظات، ووجدوا فيه من الخيرات ـ التي أشير هنا إلى جزء منها ـ ما جعلهم يعون قول الله تعالى :[ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ] {النور:11}.
التحذير من استصغار الذنوب:
20 ـ وهو دعوة صريحة، لما يغفل عنه كثير من المسلمين الآن أيضاً، دعوة من الله تعالى أن لا نستصغر ما نحسبه صغيراً، ولا نستهين بما نظُّنه هيِّناً، وخاصَّة من ذنوبنا وأخطائنا فالله عزَّ وجل يقرعنا وينهانا عن الوقوع في ذلك:[ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ] {النور:15}.ولذا بيَّن رسول الله eإنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله ولا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم». وجاء ما معناه:«إنَّ الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضي بما تحقرون من أعمالكم».
وابن مسعود رضي الله عنه  يجسم لنا هذا الأمر ويمثله ويعطينا بنفس الوقت ميزاناً يزن الرجل به إيمانه؛ إذ يقول:« إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه، فقال به هكذا وهكذا». والشاعر يقول:
خَلِّ الذنوبَ صغيرَها وكبيرَها ذاك التُّقى
واصْنَع كَمَاشٍ فوقَ أر       ض الشَّوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرة           إنَّ الجبال من الحصى
ضمور الإشاعة في المجتمع المثالي:
21 ـ المجتمع المثالي، ليس هو الذي لا توجد فيه الإشاعات الباطلة التي تهدف إلى توهين المجتمع وضعضعته وتهديمه، وإنما هو المجتمع الذي لا تنمو فيه هذه الإشاعات فتبقى مقتصرة على أصحابها، وبذلك تنتهي إلى الموت.
وكلما انحطَّ المجتمع كلما زاد عدد الأفراد فيه الذين يتبرَّعون لسذاجتهم بحمل الإشاعات وترويجها بالألسنة والصحف ولو اعتذروا بأن (العُهدة على الراوي)، لذلك رأينا أبا أيوب t يجيب زوجته هذا الجواب الحازم الجازم المقنع، ورأينا أسيد بن حضير لا يكتفي بأن يقول لرسول الله e أنه وجميع من يعرف لم يشترك بهذا الأمر ولم يروِّجه، وإنما أبدى استعداده للضرب على أيدي المروِّجين مهما كانوا.
سمو مجتمع المدينة وطهره:
22 ـ وهذه الحادثة دليل آخر على سمو مجتمع المدينة وطهره في عهد ذلك الجيل المثالي، فقد وقف أفراد هذا المجتمع أمام هذه الإشاعات تلك الوقفة المثالية التي كان من جرَّائها أن الإشاعات ـ بالرغم من مضي شهر قبل نزول القرآن بتبيين حقيقة الأمر ـ قد بقيت مقتصرة على أفراد لا يزيد عددهم على أصابع اليد.
الابتعاد عن مواطن التهم:
23 ـ وفيها عظة عظيمة، وحضٌّ ـ لكلِّ امرأة ـ كبير أن تنتبه كل الانتباه، فلا تتعرَّض لشبهة، ولا تقف موقف تهمة ولا تسلك سبيلاً أو تعمل عملاً يؤدي إليه، فإن المجتمع الذي هو أفضل من مجتمعها بكثير، قد افترى على من تفوقها بكثير، فإذا فهمت المرأة هذا، وفقهت أن جميع حالها قد بُني على السَّتر، نالها آنئذ خير كبير.
أهمية الاستشارة والإعلان:
24 ـ ونتعلم أيضاً أن لا ننفرد بأمورنا، بل نستشير في موضع الاستشارة، ونعلن في موضع الإعلان، ونُعْلم حين لا يدعو مهم إلى الكتمان، فإن السيدة عائشة لو أعلمت مَنْ حولها أنها ستبحث عن عقدها، لما احتملوا الهودج وساروا بدونها.
التربية على معالجة المحن بالطريقة السديدة:
25 ـ يلاحظ في حادثة الإفك أن القرآن الكريم لم ينزل مباشرة ببيان الأمر وإنما كان ذلك بعد الحادثة بما يزيد عن شهر، وكأن ذلك ليحث المسلمين في ما ينزل بهم، على البحث عن حقيقة الأمر بأنفسهم، سالكين السبيل السديد القويم في البحث، وبذلك يتمرسون بالطريقة الصحيحة، التي يحسن استعمالها لاتخاذ الموقف الصحيح، فإن أمور الحياة أوسع وأكثر من أن تحصر، فإذا لم يصبح لدى الناس التفكير السَّديد والتصرُّف الحميد، زاد خطؤهم، وكَثُر زللهم، وأدى ذلك إلى انحراف المجتمع وانهياره.
التحذير من إيذاء المؤمنين وأهمية التعاون على الإصلاح:
26 ـ وهناك أمر هام فإنَّ هذه الحادثة كانت سبباً في نزول البيان الواضح بأنه لا يصح أبداً أن يطعن مسلم في مسلم، أو يلغ مؤمن في عرض مؤمن، أو يؤذيه.. فكيف نرى بعد ذلك من يقوم في أيامنا هذه من المسلمين بالطعن والقذف والإيذاء لإخوانهم؟!! مما يضعف الأمة، ويوهن الجبهة، ويُضعف الصف، والأمر قد جاء صريحاً واضحاً مؤكداً في آل عمران:[وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا] {آل عمران:103}.مبيناً موقف المؤمنين من بعضهم!
فإذا ظن أنه لا يجب عليه القيام بمحاولة الإصلاح في هذا الظرف الفاسد، فهو خطأ عظيم، وإن ظن أنه يستطيع لوحده القيام بذلك دون جبهة وتعاون، فهو خطأ لا يقل عن السابق...
مصير المنافقين أعداء الإسلام:
27 ـ هؤلاء المنافقون، أعداء الإسلام، الذين اغتنموا ما حسبوه فرصة فاختلقوا وافتروا.. ماذا كان مصيرهم؟ الفضيحة والجَلْد وخزي الأبد، ولعذاب الآخرة أشد.
فلماذا لا يرعوي منافقو هذه الأيام ؟ يا من يكرهون الإسلام، اعتبروا بإخوانكم المنافقين، يا من يكيدون للإسلام، اذكروا نتيجة سلفكم في هذه العداوة... ماذا تريدون؟ هدم ما يحفظه الله ؟ ماذا تحاولون؟ أن تطفئوا نور الله ! ماذا تنتظرون؟ أن تغلبوا الله؟ لقد خسرتم الآخرة، فهل ضمنتم الدنيا؟ لقد تخلَّى الله عنكم. إذا أعرضتم عنه فبمن تعوضتم؟
[فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ] {الحج:46} 
***
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين