دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب
دولة الموحدين
كانت تقوم في بلاد المغرب شمالي إفريقية دولة إسلامية قوية تسمى (دولة الموحدين) وذلك في العام السادس للهجرة ، وتعاقب عليها خلفاء نشروا العدل وجاهدوا في سبيل الله، وفتحوا الفتوحات الكثيرة، وتركوا في التاريخ أثراً لا يمحى.
وكان الخليفة(عبد المؤمن) المؤسس الأول لهذه الدولة، نزل مدينة (سلا) وهي مدينة كبيرة في شمالي أفريقية تقع على ساحل البحر، ضربت له خيمة على الشاطئ ، وجعلت العساكر والجنود تمر أمامه قبيلة قبيلة، فلما نظر إلى كثرة العدد وسعة الملك خرَّ ساجداً لله تعالى ، على هذه النعمة، ثم رفع رأسه وقد بل الدمع لحيته والتفت إلى الجالسين حوله وحدثهم عن نفسه قائلاً:
إنني أعرف ثلاثة أشخاص دخلوا هذه المدينة وهم فقراء معدمون مفلسون ليس عندهم شيء سوى رغيف واحد من الخبز، وأرادوا أن يعبروا النهر بالأجرة فطلبوا من صاحب القارب أن ينقلهم إلى الشاطئ الآخر مقابل هذا الرغيف ، فلم يقبل صاحب القارب ، وقال: إنني مستعد لنقل اثنين منكم فقط بهذا الرغيف، فقال أحدهم وكان شاباً قوياً: خذا معكما ثيابي وأنا أعبر النهر سباحةً، وصار يسبح وكلما تعب وضع يده على طرف القارب ليستريح فيمنعه صاحب القارب فما بلغ البر إلا بعد مشقة كبيرة وجهد شديد... وهذا الرجل هو الذي أسَّس الدولة الإسلامية المعروفة بدولة الموحدين، وهي قصة تدل على علو الهمة وصدق العزيمة ، وعلى أن معالي الأمر لا تنال إلا بالتعب والصبر وتحمل المشاق.
وكانت عاصمة ملكهم مدينة (مراكش)، وتوسع ملكهم وفتحوا مدناً كثيرة في الأندلس وكان يوسف بن عبد المؤمن من ملوكهم المعروفين ، كان حازماً شجاعاً عارفاً بأمور السياسة والإدارة، وكان إلى جانب ذلك عالماً بأمور الفقه وأحكام الدين واستقدم إلى بلاده كثيراً من علماء المسلمين من الأقطار الأخرى، وهو الذي بنى المسجد الكبير في إشبيلية بالأندلس وكان يقود الجيوش بنفسه لافتتاح المدن حتى وصل إلى بلدة شنترين التي تقع غربي جزيرة الأندلس .
وكان حين تجهز إلى غزو الأعداء أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث الجهاد ، فأخذها وصار يمليها على الجنود، فكان كل واحد من الرؤساء والقواد والجنود يأتي بلوح يكتب فيه أحاديث الجهاد التي يسمعها من الخليفة، ولم يكن مع أحد القواد لوح فأعطاه الخليفة لوحاً من عنده فأخذه وكتب فيه ثم أوصى أن يوضع بعد موته بين جسمه وكفنه حباً في الجهاد وحرصاً على الشهادة في سبيل الله .
كان أمير المؤمنين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ، من كبار ملوك الموحدين وكانت دولته تشمل الأندلس وشمالي إفريقية، وكان حسن السيرة يؤثر العدل في أعماله وأحكامه بحسب طاقته وجهده، واستقامت الأمور في أيامه وكثرت الفتوحات.
وكان في أول أمره قد أراد أن يسير بالناس سيرة الخلفاء الأولين الصالحين ، فكان يتولى الإمامة بنفسه في الصلوات الخمس، وكان يقعد للناس عامة لا يحجب عنه أحد من صغير ولا كبير حتى إن رجلين اختصما إليه في نصف درهم فقضى بينهما وأمر وزيره صاحب الشرطة أن يضربهما ضرباً خفيفاً تأديباً لهما وقال لهما: أما كان في البلد حكام قد نصبوا لمثل هذا ؟ فكان هذا الحادث سبباً حمله على أن يقعد للناس في أيام مخصوصة لمسائل مخصوصة لا ينفذها غيره.
وكان قد أمر أن يدخل عليه أمناء الأسواق وأشياخ الحضر في كل شهر مرتين يسألهم عن أسواقهم وأسعارهم وعمالهم وقضاتهم فإذا أثنوا خيراً قال: اعلموا أنكم مسؤولون عن هذه الشهادة يوم القيامة فلا يقولن أحد منكم إلا حقاً.
وجهز جيشاً من الموحدين وفتح به أربع مدن من بلاد الفرنج في الأندلس كانوا أخذوها من المسلمين قبل ذلك بأربعين سنة وخاف منه ألفونس صاحب طليطلة وسأله الصلح فعقد معه هدنة لخمس سنين، فلما انقضت مدة الهدنة كان الفرنج بقيادة ملكهم قد جمعوا خلقاً كثيراً من أقاصي بلادهم وأدانيها، فعزم على الخروج إليهم، وكتب قبل خروجه إلى جميع البلاد بالبحث عن الصالحين وأهل الخير وأمر أن يحملوا إليه فاجتمعت له منهم جماعة كبيرة كان يجعلهم بين يديه أينما سار ، فإذا نظر إليهم قال لمن حوله: هؤلاء الجند لا هؤلاء ( ويشير إلى العسكر).
وهذا الخبر يشبه الخبر الذي يروى عن قتيبة بن مسلم أمير خراسان حين حارب الترك ، وكان في جيشه العالم العابد الصالح (محمد بن واسع) فجعل يسأل عنه ويكثر السؤال فأخبروه أنه قائم في ناحية من الجيش ، متكئاً على سية قوسه رافعاً أصبعه إلى السماء يحركها، فقال قتيبة: إن أصبعه هذه أحب إلي من عشرة آلاف سيف.
وبنى يعقوب في مراكش والمغرب والأندلس كثيراً منا المساجد والمدارس والمستشفيات وأجرى عليها الأرزاق ، وخصص للفقهاء ولطلبة العلم مرتَّبات، وكان شديداً في دينه توفي سنة 593 ـ رحمه الله تعالى ـ .
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين