كيف نجنب أولادنا الخوف - كنوز تربوية
كنوز تربوية
 
كيف نجنب أولادنا الخوف؟
بقلم: الأستاذ المربي محمد عادل فارس
 
   كثيراً ما يقلق الآباء من مشاعر الخوف عند أطفالهم.
هذا الخوف قد يكون في الحدود الطبيعية المألوفة، فلا ينبغي أن يثير قلقاً... وقد يتجاوز هذه الحدود فيحتاج إلى تأمل ودراسة وعلاج، وإذا أُهمل فقد يتفاقم ويشوّه الشخصية، ويستمر في نفس صاحبه وهو يتقدم في مراحل عمرية لاحقة!.
وإذا كانت سنوات الطفولة المبكرة هي الأكثر حسماً في بناء الشخصية، فإن رعاية مشاعر الطفل في هذه السن، وحمايتها من مشاعر الخوف المَرَضية أمر في غاية الأهمية.
وإذا كنا نتفهم مشاعر الخوف عند الكبار حين يكون لها ما يسوّغها، كخوفهم من حريق أو طوفان أو أفعى أو سقوط من شاهق... فإن تفهم هذه المشاعر عند الصغار يحتاج إلى مزيد من الاهتمام، حتى لا تدخل مجال المخاوف المرَضية.
 
_ارتباط الخوف بالخبرات:
ومما ينبغي ملاحظته أن الخوف يرتبط بالخبرات، وبالتالي يرتبط بالسنّ! فرُبَّ أمر يخيف الطفل في عامه الأول ولا يخيف الطفل في العام السادس، ورُبَّ أمر على عكس ما سبق!.
فطفل السنة الأولى قد يخاف من صوت جهاز الإنذار الذي ينطلق من سيارة أمام البيت، ولو رأى أفعى تقترب منه فقد يمدُّ يده إليها غير خائف. فصوت جهاز الإنذار يثير الرعب في نفسه، لأنه صوت مزعج، والأفعى لا تخيفه لأنه لا يعلم أنها تلدغ وقد تقتُل!.
ونظن أن طفل السادسة يخاف الأفعى ولا يخاف جهاز الإنذار، وذلك بسبب خبرته التي اكتسبها بنفسه، أو تعلمها من الكبار.
ومن هذا المثال ندرك أن المخاوف لا تنقص بالضرورة مع تقدم السنّ، وإنما تتنوع، وتتغير درجاتها.
 
_نتائج المخاوف.. والعلاج:
نستطيع إذاً أن نسجل أن إدراك الطفل لدرجات الخطورة، أو توقعه لهذه الدرجات هو سبب مهم في ظهور مخاوفه، وأن هذا الإدراك يتولد من خلال تجربته بنفسه، أو من خلال ما ينقله إليه ذووه من تجاربهم.
كما نسجل أن هذا كله أمر طبيعي إذا بقي في الحدود المعتدلة، أما إذا وصل إلى مستويات الغلوّ والمبالغة فقد صار مرضاً يحتاج إلى علاج، وأن على الكبار أن يُبْدوا التوازن في مخاوفهم أمام الطفل، فإن ظهور الخوف الشديد عليهم تجاه موقف لا يقتضي شدة الخوف، ينقل إلى الطفل عدوى الخوف الزائد!.
وأهمّ ما ينبغي تعويد الطفل عليه تجاه المخاوف، هو اللجوء إلى الله تعالى، ودعاؤه سبحانه، وتلاوة بعض الآيات الكريمة والأذكار، كقولنا للطفل وهو يُظهر الخوف من الظلام أو من بعض الأصوات أو الأشكال: «يا بُنَيّ لا تخف، إن الله يحمينا. ادعُ الله أن يصرف عنك السوء والضرّ. اقرأ آية الكرسي...».
ويكون أثر ذلك كبيراً عندما نقول ذلك للطفل ونحن صادقون مؤمنون بما نقول، فإن روح الطمأنينة تسري إلى نفسه، كما يسري الخوف إذا أظهرناه.
وينبغي أن يترافق ذلك مع إشعارنا للطفل أننا نتفهم مشاعره: «أنت تخاف من هذا الصوت. انظر: إنه يصدُر عن الحفّارة التي تحفر في الشارع أمام بيتنا. إنهم يصلحون الشارع ليصبح جميلاً».
«أنت ترى في الظلام خيال شيء مرعب. سنشعل لك ضوءً خافتاً حتى ترى الأشياء على حقيقتها. ألا ترى أن هذا الشيء المرعب لا وجود له؟!».
وبالمقابل لا يجوز أن نزرع في نفس الطفل مخاوف من بعض الأوهام كأن نقول له: «إذا لم تتوقف عن البكاء فسوف ينشق السقف ويتدلى منه الوحش الذي يأكل الأطفال» أو «إذا سرقت الحلوى فسوف يأتي الحرامي في الليل ويذبحك».
وقد تسهم بعض المشاهد في زرع الخوف في نفس الطفل، سواء كانت مشاهد فعلية حقيقية؛ كالشجار والنزاع بين الوالدين، أو مشاهد تمثيلية؛ كأفلام الرعب التي يبثها التلفاز، أو ما يبديه الكبار من خوف مبالغ فيه، كأن يُظهر أحد الكبار خوفه من إبرة الوريد أو العضل التي وصفها الطبيب.
 
_أنواع المخاوف:
من خلال الأمثلة المذكورة آنفاً وغيرها، نستطيع أن نعدد بعض أنواع المخاوف:
1. مخاوف مادية صِرفة: كالخوف من الكلب، ومن الحريق، ومن صوت الرعد، أو صوت الألعاب النارية...
2. مخاوف بشرية: كالخوف من ولد شرّير في الحي، أو من رجل مجنون، أو من الطبيب الذي يفتح الجرح أو يحقن إبرة الدواء...
3. مخاوف معنوية:كالخوف من الارتباك أمام الضيف، والخوف من الخطأ في الحديث، والخوف من أي موقف قد يستجلب توبيخ الآخرين أو سخريتهم.
أخيراً نقول: إن الإنسان الكبير، فضلاً عن الصغير، يحتاج إلى الشعور بالأمن، والشعور بالكرامة، والشعور بالتقدير... وهذه الحاجات هي عند الطفل أكثر بروزاً وأكثر أهمية، فيجب توفيرها له وإشعاره بالدفء والحنان والرعاية، وحمايته من كل ما يناقضها أو يخدشها. والله المستعان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين