حول بيان شيخ الأزهر بشأن 30 يونيو 2013م

د. وصفي عاشور أبو زيد

أصدر الإمام الأكبر شيخ الأزهر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب يوم الأربعاء 19 يونيو 2013م بيانا يؤكد فيه على جمع الكلمة ونبذ الخلاف، واستثمر البيان فرصة أقوال قيلت هنا أو هناك بالدعاء على المعارضين لولي الأمر الشرعي من المنافقين والكافرين، وأن يوم 30 يونيو سيكون يوم نصرة للإسلام والمسلمين؛ ليقول: "إن هذا هو رأي الفِرق المنحرفة عن الطريق الصحيح للإسلام، وهو كلامٌ يرفُضُه صحيحُ الدِّينِ ويأباه المسلمون جميعًا، ويُجْمِعُ فقهاءُ أهلِ السُّنَّة والجماعة على انحرافه وضلاله".
وقال فضيلة الإمام الأكبر في بيانه: "رغم أن الذين خرجوا على الإمام عليٍّ- رضي الله عنه - قاتلوهُ واتهمُوهُ بالكُفر، إلَّا أنَّ الإمام عليًا وفقهاء الصحابة لم يُكَفِّرُوا هؤلاء الخارجين على الإمام بالعُنْف والسِّلاحِ، ولم يعتبروهُم مِن أهل الرِدَّة الخارجين من المِلَّة، وأقصى ما قالوه: إنهم عُصاةٌ وبُغاةٌ تَجِبُ مقاومتهم بسبب استخدامهم للسِّلاح، وليس بسبب معارضتهم.
وأكد البيان أن: "أنَّ المعارضةَ السِّلميَّة لوليّ الأمر الشرعيّ جائزةٌ ومُباحة شرعًا، ولا علاقَةَ لها بالإيمان والكُفرِ، وأن العُنْف والخروج المُسلَّحَ مَعصِيةٌ كبيرةٌ ارتكبها الخوارِجُ ضِدَّ الخُلفاء الراشدين ولكنَّهم لم يَكفُروا ولم يخرجوا من الإسلام". ا.هـ.
ولا شك أن مضمون البيان ومنطوقه صحيح لا غبار عليه من حيث النظرية، فالخروج على الحاكم ليس كفرا بالفعل، والخروج المسلح عليه معصية كبيرة، والمعارضة السلمية مشروعة، ونبذ الفرقة واجب وكذلك العمل على الوحدة.
ولكن بالنظر إلى السياق الذي يصدر فيه هذا البيان واستيعاب الواقع الذي يصدر فيه، فإن هذا بيان يثير الريبة، فالبيانات والفتاوى والأقوال والآراء يجب أن تراعي السياق الذي تصدر فيه، والمآل الذي تصير إليه، وهذا هو الفقه الحقيقي.
ومن هنا فإنني أرى بشكل واضح أن هذا البيان تصدق فيه الكلمة التي قالها الإمام علي في المشهد الذي أورده البيان: "إنها كلمة حق يراد بها باطل".
ذلك، أن السياق الذي يرد فيه هذا البيان هو سياق صراع ومنافسة شديدة يمارس فيها أتباع الثورة المضادة العنف والتقتيل والتخريب، فالبيان بهذا يصب الزيت على النار.
ومن ناحية المآل فالبيان يقول مفهومه للناس: إن الخروج المسلح على الحاكم ليس كفرا، وإنما هو معصية، فانزلوا أيها الناس بالسلاح واخرجوا على الحاكم فلستم بكافرين، وإنما هي معصية كبيرة، والله غفور رحيم!
على أنني أريد أن أنبه إلى أن الشيخ محمد عبد المقصود – الذي صدر البيان بحقه، ووصفه بأنه من الطارئين على العلوم الشرعية – حين دعا على المعارضة ووصف بعضها بالكفر والنفاق، لم يجاوز الصواب؛ لأن النصارى يعدون العدة وسوف ينزلون بمئات الآلاف، وقد أعلن هذا كبيرُهم، وهم كفار عندنا كما نحن كفار عندهم، وهم يعلنون هذا ولا يخفونه، ولا يعني هذا أن من سيخرج يوم 30 يونيو كلهم هكذا، وإنما فيهم وطنيون مخلصون، وبعضهم يعاني معاناة حقيقية كما يعاني الشعب كله، ومن حقهم أن يعبروا عن رأيهم.
لكن مليونيات المعارضة على مر عامين لم تخل من عنف وقتل وتخريب، فهل هكذا تكون الفتاوى في هذا الواقع يا فضيلة الإمام الأكبر؟!
أتصور أن فضيلة الإمام الأكبر لو كان على عصر المخلوع لم يكن ليجرؤ أن يتلفظ بلفظ واحد من هذه الفتوى، بل هو نفسه خرج وطالب الناس بالرجوع إلى بيوتهم أيام ثورة يناير، وحرم الخروج على الحاكم يوم الخميس التالي ليوم الأربعاء موقعة "الجمل"، وخرج المفتي وقتها وقال يجب أن نكون مع الشرعية وأن نرجع إلى بيوتنا، رغم أن "الشرعية" المزعومة للمخلوع هي لرئيس مغتصب للسلطة، كافر بشعبه، ناهب لثروات بلده، معتدٍ مستبدٌّ ظالم، لكنني لا أستغرب هذا ممن كان عضوا بلجنة السياسات، وهو الذي عينه المخلوع، ولم يجرؤ أن يترك اللجنة أو يستقيل من الحزب إلا بإذن المخلوع!
أقول لفضيلة الإمام الأكبر إنه كان الأولى بك أن تقف بجانب الشرعية الحقيقية المنتخبة، وتبين حرمة الخروج على الحاكم الشرعي المختار من الشعب، وألا تكون سببا في إذكاء نار الفتنة، وإشعال الحرائق في المجتمع، بالنظر إلى السياق الذي ورد فيه البيان.
إن البيان الذي أصدره شيخ الأزهر هو دعوة مبطنة للعنف والفوضى وإراقة الدماء وإحداث فتنة في المجتمع، وأظن أن من وراء هذا البيان هم وزراء الأوقاف السابقين الذين يلازمون شيخ الأزهر، ويكرهون الإسلاميين كما يكرهون العمى، والذين أنصح شيخ الأزهر أن يبعدهم عنه ويختار مستشارين أمناء!
وأقول للمعنيين بإصلاح الأزهر: إنه آن الأوان لإصلاح الأزهر وتجديد الأزهر، فالأمة بحاجة إلى أن يستعيد الأزهر عافيته، ويسترد كرامته وهيبته واستقلاله؛ ليصدع بالحق، ويقول الصدق، ولا يخشى في الله لومة لائم!.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين