التدخين ممنوع بأمر من الدين والعقل والمجتمع - التدخين من منظور الشريعة والطب
ورقة مقدمة  بعنوان:
"التدخين من منظور الشريعة والطب"
التي تقيمها كلية الشريعة  بالتعاون مع دائرة الإفتاء وكلية الطب
بتاريخ 25/2/2008
 ألقاها ممثلاً لدائرة الإفتاء بحلب الأستاذ: علاء الدين قصير
 أقامت كلية الشريعة في جامعة حلب بالاشراك مع دائرة الإفتاء وكلية الطب على مدرج معهد التراث في 25/2/2008 ندوة عن التدخين من منظور الشريعة ، وهذه الندوة من ضمن فعاليات الاحتفال باليوبل الذهبي لجامعة حلب، وقد تحدث باسم كلية الشريعة الدكتور بلال صفي الدين ، وقد مثل دائرة الإفتاء الشيخ: علاء الدين قصير.
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أصحاب الرعاية الكريمة لهذه الندوة العلمية الاجتماعية الهادفة, إخوتي القائمين على الصرح العلمي الرائد كلية الشريعة، ومنهم السادة المشاركون جزاهم الله خيرا, الإخوة القائمون على هذا المعهد الذي يحتضن هذه الندوة جزاهم الله خيرا عن خدمة تراث هذه الأمة.
أيها الحضور الكريم: يسعدني أن أشارك بهذه الندوة الجادة الهادفة نيابة عن سماحة الشيخ الدكتور محمود عكام مفتي حلب حفظه الله ورعاه, وسدد خطاه , ولقد طرأ اجتماع لمجلس الإفتاء الأعلى بدمشق فسافر بصحبة مفتي حلب فضيلة الدكتور إبراهيم سلقيني جزاهما الله عنا خير الجزاء وأوفاه، ووفقهما لما فيه خير البلاد والعباد.
ولقد ترك لي فضيلة الدكتور محمود عكام ورقات فيها مادة مشاركته أسمعكموها إن شاء الله مع شيءٍ من التصرُّف والإضافات اليسيرة فقد أذن لي في ذلك مشكوراً.
إخوتي الأكارم: في سنة اثنتين وتسعين وأربعمئة وألف ميلادية، سنة اكتشاف القارة الأمريكية نزل كريستوف كولومبس وفريق الرحالة معه في جزيرة توباغو فوجدوا السكان يدخنون أوراق شجيرات فشاركوهم في ذلك ليحسوا بتفتير أجسادهم، مما دفعهم أن يحملوا من هذه الأوراق مسامة باسم الجزير’، وينقلوها إلى العالم دون أن يشعروا أنهم ينقلون وباءً خبيثاً، وأمراضاً وخيمة وكوارث جسيمة لازال أهل العلم والاختصاص يكتشفونها محذرين ومنفرين، وقد سمعنا طرفاً منها أعده الفريق الطبي جزاهم الله خيراً عن ظاهرة التدخين، تلكم الظاهرة المرضية التي تعصف بمجتمعاتنا وتؤذي بأفرادها. وما أحرانا أن ننتقل إلى المنظور الشرعي لهذه الظاهرة
  لنقول بداية:
إن المقصد العام من التشريع الذي خاطب الله به عباده المكلفين يتمثل في شيء واحد هو تحقيق أسباب السعادة المطلقة للإنسان في كلٍّ من دنياه وآخرته، وإنما تتحقَّق هذه السعادة من خلال تحقيق المصالح الأساسية الكبرى التي لا بد منها لحياة الإنسان.
والتشريع الإلهي في جملته وتفصيله ومن بعده المذاهب الأرضية جميعاً متفقة على ضرورة الحفاظ على هذه المصالح والعناية بها، لأنها في النهاية مضمون الإنسانية المنشودة وحقيقتها السويَّة، وهذه المصالح والمقاصد هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال..
وحين ننظر التدخين فإننا نجده في مواجهة هذه المقاصد ضاراً بها
فأما ضرره على الدين الذي هو مجموعة التزامات وقيم، فمن نواح عديدة نذكر منها:
ـ فالصدق قيمة نبيلة تشكل جزءاً مهماً من الدين، يفترسها الدخان ويمزّقها شر ممزق، ولطالما لجأ الشاب والطالب والكبير إلى الكذب ليخفي عن موجهه وأبيه ومربيه هذه الفعلة الشنيعة، وقد شعر بها كذلك.
وأما العلاقات الاجتماعية فأجدر بالدخان أن يفسدها ويقضي عليها، لأن المدخن يضر بمن حوله ويؤذيهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" أقربكم مني مجلساً يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".
 والمدخن ما هو إلا جليس سوء والمدخن مشبّه به. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو أن تشم منه رائحة كريهة"، ولا تنس أن الاجتماع على العبادة في بيوت الله لا ينبغي أن يحضرها من يتأذَّى منه الناس لأن الملائكة تتأذى منه.
ومن القيم الجميلة التي يشوهها التدخين: الحرية. فالمدخن أسير وعبد لإدمانه، وكم من مدخن باع قيماً بدخان، وكذلك كم من مدخن هجر المبادئ ليحصل على دخان.
عدت لأهوائك عبدا         وكم تستعبد الأهواء أربابها
وما أظن أن أحداً منّا ينكر ضرورة استبعاد الدخان من محافل ومجالس الجد والبحث والتقدير والإكبار والرقي، واستفت قلبك أيها المدخن وإن أفتوك وأفتوك.
وأما ضرره على النفس:
فبين وواضح، وقد أكد وأثبت العلماء أن المادة المدخنة تحتوي مواد مسرطنة، وأخرى رافعة للضغط، وثالثة مهيجة للسعال ومضيقة للقصبات، ورابعة مثبطة للدم من أجل نقل الأوكسجين، والله تعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، والصحة الجسدية ما هي إلا أمانة عندك ايها الإنسان، فراعها وكن وفياً لها، ولا تؤذها، وستسأل عنها في الدنيا والآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه" رواه الترمذي.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» البخاري.
وأما ضرره على العقل:
فلا شك في أن الجسم السليم في العقل السليم، فإذا مرض الجسم _ كما عرفنا _ مرض العقل، هذا بالإضافة إلى أثر التدخين في إضعاف التفكير، وتثبيط حركة الدماغ الإيجابية، ودوره في إيجاد الإدمان، والإدمان يؤدي إلى تغييب العقل، وإلى جعله يدور في فلك هذا الذي أدمن عليه لتحصيله وتأمينه كيفما كان وبأي وسيلة.
وأما أذيته للمال:
فالمال أمانة ومسؤلية، وهو محور الاقتصاد ومحله، والأصل فيه أن يكتسب بالطرق المشروعة، وينفق فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع، وعلى الإنسان والإنسانية. وحسبك في هذا المضمار أن المليارات من النقد العالمي تضيع وتنفق على التدخين ومثلها ينفق على العلاج، أضف إلى الحرائق والكوارث الناجمة عن التدخين. ولا ننس أن أسعار الدخان غالية لما ينفق من ضرائب وأجور ودعايات وطلب الربح الباهظ من الشركات المصدرة.
ولنضع تجاه ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال". وقال صلى الله عليه وسلم:" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وعن ...ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه".
فهل يجوز لك أيها المدخن أن تنفق في اليوم خمسين ليرة سورية على الأقل، وتمنعها عمَّن تعيل، أو عن فقراء، عائلتك وفقراء وطنك، أو عن دعم أراضينا وأوطاننا المحتلة لإزالة الاعتداء عنه.
أين الإحساس بالمسؤولية والشعور بها، وأين رعايتك لأمانة نعمة المال!!؟
وأما ضرره على النسل:
فالدخان يضعف القدرة الجنسية، ويشوِّه الأجنَّة، ويضر بالرضَّع، وعلى كل فالأطفال الآن، والأطفال القادمون يناشدون المدخنين من أجل أن يقلعوا عما يضر بالجميع، وبالبيئة، فهم يريدون مساحات في الحياة نظيفة طاهرة يرتعون فيها، ويعيشون في مناخاتها الطيبة، حتى يؤدوا رسالة الخير للإنسانية خير أداء.
أخيراً أملنا:
أن نقلع عن كل سيء من الدخان، وما يشابه الدخانن من مواد وتصرفات وسلوكيات، كالسرعة في القيادة، والإسراف في الطعام، والإمعان في العناية باللباس، واللانظافة، والإهمال، والإمعان في العناية بالشكليات من لباس وسكن وحفلات وسواها، وأن نفعل كل حسن في عالم لا دخان فيه ولا نار، ولا فساد ولا إيذاء. ولتكن تلك الأبيات ختاماً طيباً:
مفتر الجسم لا نفع فيه أبداً            ويورث الضّرَ والأسقام في البدن
أفتى بحرمته جمع بلا شطط            فاحذر مقالة مَنْ يرميك بالفتن
فلا يغرنك من في الناس يشربه         فالناس في غفلة عن واضح السنن
يسر شاربه ما ضرَّ صاحبه            لا مرحباً بسرور عاد بالحزن
يُقضى على المرء في أيام محنته        حتى يرى حَسَناً ما ليس بالحسن
والسلام عليكم
حلب 24/2/2008
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين