رتب حياتك من جديد -2-

سبق أن نشرنا القسم الأول من هذه المقالة الممتعة وقد أجاب فيها الكاتب الفاضل عن الخطوات الأساسية والمهمة في إعادة ترتيب الحياة وذكر خطوة عملية في وضع الأهداف و ترتيب الأولويات.

وفي هذا الجزء الثاني من المقالة يدعو الكاتب إلى تحديد نقاط القوة ، وهو ما ندعو أبناءنا فتية الإسلام ، وإخواننا الشباب إلى قراءته واستيعابه وتطبيقه والاستفادة منه.

الجزء الثاني ( رتب حياتك من جديد)

حدد نِقاط قوتك:

 

لكل منا نقاط قوته ومناطقُ للتميز لديه.. كيف تتعرفها؟

سل نفسك: ما الشيء الذي أقوم به بطريقة مميزة وأتفوق به على بقية أقراني وزملائي؟

ما الشيء الذي أشعر بالارتياح والهدوء عند إنجازه؛ حيث يمر عليَّ الوقت دون أن أشعر به وأنا أزاول هذا العمل؟

عندما تحدد هذا العمل فأنت في الأغلب تتحدث عن إحدى نِقاط قوتك، الأمر ليس بهذه السهولة, بل يحتاج منك إلى الكثير من التأمل والمراجعة.


تأتي الخطوة التالية بأن تقوم بالتركيز على نقاط قوتك, وبناء حياتك العلمية والعملية عليها, وصرف وقتك - ذي القيمة الكبرى - كل يوم في أنشطة تنمِّي جوانب القوة لديك.

عندما كنا طلاباً كنا نسمع كثيراً هذه العبارة: الحمد لله أنا جيد في مادة الرياضيات؛ ولذا فلن أدرسها, بل سأركز على مادة الكيمياء التي لا أحبُّها ولا أتقنها..!، قد يكون هذا الموقف مقبولاً في مرحلة الإعداد العلمي المبكر, لكنه - بلا شك - يجب ألا يستمرَّ بقية حياتنا, فلو كنتُ مميزاً في (الرياضيات) فسأُلزم نفسي بها طَوال حياتي, وسأهرب من (الكيمياء) المادة التي لا أحبُّها ولا أتقنها، وهذا ينطبق على جوانبَ كثيرة؛ كمهارات البيع والقيادة والتحليل والشعر والخطابة وغيرها كثير.
إدارة الوقت:

إن الصفة الفارقة بين الناجحين وغيرهم هو طريقتهم في التعامل مع الوقت؛ فالوقت هو أغلى ما نملك، ولكننا للأسف نديره بأسوأ طريقة ممكنة!! هناك العديد من الطرق التي طرحها العلماء لإدارة الوقت، لكني أجد أن الفكرة الأساسية التي يجب أن يستند عليها تعاملنا مع الوقت، هي ما شرحها الكاتب المميز (ستيفن كوفي), إذ ينصح بتقسيم النشاطات إلى أربعة أقسام:

مربع (1)

مهم وعاجل:

أخذ طفلي المريض إلى المستشفى, كتابة تقرير يخص اجتماع الغد, حضور حفل زفاف ابن عمي....

مربع (2)

مهم وغير عاجل:

تقوية العلاقة مع زوجتي, بناء علاقات إيجابية مع العملاء, القراءة في موضوع متخصص, ممارسة الرياضة, حضور دورة تطوير ذاتي....

مربع (3)

غير مهم وعاجل:

زيارات في أماكن العمل, مكالمات هاتفية, متابعة نشرات الأخبار....

مربع (4)

غير مهم وغير عاجل:

قضاء وقت طويل في مشاهدة التلفاز, التسكع في الأسواق, أنشطة غير مجدية, أفراد يضيعون وقتك.


تأمل الجدول السابق، وحدد كيف صرفت وقتك يوم أمس.

إن أفضل الأعمال وأكثرها أثراً في حياتك هي تلك الأعمال التي تقع في المربع (2)، أي الأعمال الهامة وغير المستعجلة.. فاحرص على أن تصرف فيها معظم وقتك الثمين.
حدد (غير الأولويات)!

كما أن ترتيب الأولويات هو أمر أساسي في إعادة ترتيب حياتك، فإن تحديد (غير الأولويات) أمر مهم أيضاً, وهي الأنشطة التي يمكن (بل يجب أحياناً) أن تقلع عن ممارستها؛ لما تستهلكه من جهد ووقت دون أن تدفعك نحو أهدافك وما تسعى إليه، إن المتميزين من الناس يتقنون التفريق بين النشاطات التي يجب أن يقوموا بها, والنشاطات التي يجب أن يحبسوا أنفسهم عنها مهما كانت مغرية.
فوِّض:

(سالم) مهندس بارع.. لديه مهارة خاصة في ابتكار المشاريع، وإتقان حساباتها، عندما تنظر إلى إنجازات (سالم) بعد عشرين سنة من عمله في هذه المهنة، ستُفاجأ بأنها قليلة لا تتناسب مع مهاراته وقدراته؛ أين المشكلة؟ كان (سالم) شديد الحرص على مسار العمل في المشروع الذي يتولاه, ويعتقد - سراً - أن العمل الذي لا يؤديه بنفسه أو تحت إشرافه المباشر هو عمل مشكوك فيه لا يُنجز بطريقة صحيحة. كانت مشكلة (سالم) في عدم قدرته على التفويض.. أي عدم قدرته على إسناد أجزاء من العمل إلى مصادر خارجية للقيام به, على الرغم من أن غيره قد يكون أقدرَ وأسرع في إنجازها. ومع قليل من التأمل, وجدت أن هذه المشكلة كانت وراء قصور العديد من المميزين عن تحقيق المزيد من الإنجازات.
عندما تبدأ بترتيب حياتك, حدد بالضبط الأعمال والنشاطات التي تقع ضمن دائرة قوتك ومهارتك (كما شرحت سابقاً)، وأما ما عداها فيجب أن تسنده إلى شخص آخر ليقوم به؛ ستوفر لك هذه الخطوة المزيد من الوقت والجهد الذي يمكنك أن تصرفه نحو المزيد من الإنجاز والاستمتاع.
أين تقع (عقدة التحكم) لديك؟

يشير العلماء بـ (عقدة التحكم Locus Of Control) إلى الطريقة التي تنظر بها نحو القوى والمسببات التي تسيِّر الأحداث من حولك، فلو كانت عقدة التحكم لديك داخلية، فهذا يعني أنك تشعر بالقدرة على التحكم في الأحداث، ومسارها ومصيرها، ونتائجها في المستقبل، ومن ثم الأمل في تغييرها، أما الصنف الثاني من الناس، فهو الذي ينظر إلى (عقدة التحكم) لديه على أنها خارجية؛ ولذا يميل إلى النظر إلى القوى الخارجية (أي الخارجة عن تأثيره) على أنها صاحبة اليد العليا في حياته، وما له إلا انتظار ضربة حظ تنتشله مما هو فيه من يأس وقنوط!!

إن إعادة النظر في عقدة التحكم لديك هي خطوة محددة وأساسية، نحو إعادة ترتيب حياتك والانطلاق من جديد.
ما هو وقتك الذهبي؟

لكل منَّا وقته الذهبي الخاص خلال اليوم، أي الوقت الذي يتقد فيه عقله ويشتعل فيه نشاطه نحو العمل المركَّز وذي القيمة الكبرى، يختلف هذا الوقت بين الناس, فقد يكون لدى البعض في ساعات الليل المتأخرة, أو في ساعات الصباح المبكرة، أو غير ذلك، إن قضاء ساعتين من العمل المركَّز في هذا الوقت، قد يعادل عمل ساعات طويلة في أوقات الانشغال بالأهل والموظفين.
خاتمة: إن الفرق بين المميزين وغيرهم، هو في قدرتهم كل يوم على مراجعة مسار حياتهم، وتنظيم طريقة تفاعلهم معها, تماماً كما يفعل القبطان الذي يوجه سفينته نحو وجهتها في بحر متلاطم الأمواج من خلال التغلُّب على آلاف المرات من انحرافها عن مسارها في عملية لا تنتهي من التعديل والتصحيح.

وفقنا الله وإياكم إلى كل خير، وجعلنا من المتميزين الناجحين

الحلقة الأولى هنا

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين