التغافل - ـ

التغافل

للعلامة الشيخ محمد الحامد

لا أُريد بهذه الكلمة أن يكون الإنسان مسلوبَ الحسَّ والمروءة ، لا تُحركه نخوة ، ولا يهزُّه وجدان، مغلوباً على أمره ، لا يدفع عن نفسه بيد ولا بلسان ، كل ، بل من كان كذلك فهو خليق ألاَّ يكون من الرجال الكاملين.

التغافلُ أن لا يتَّبع العاقل مجرى الأمور تتبعاً دقيقاً بحيث لا تفوته منها شاردة ولا واردة ، وأن يُغضي الطرف على القذى قانعاً من الناس بمنحهم له ودَّهم وكفِّهم أذاهم عنه، وأن لا يتكلف التطلع إلى ضمائرهم وكشف خباياهم، ومَنْ رام ذلك رُمي بالمقت والكمد، وعاش دهره فريداً ، ولله درُّ القائل:

وعينك إن أبدت إليك معايباً    فصنها وقل يا عين للناس أعين

الدنيا مملوءة بالشرور، فمن المهد إلى اللحد تمرُّ على الإنسان سيئات محضة وحسنات شيبَتْ بالسوء، وإن كان في بكاء الطفل حين بروزه من بطن أمه لدليلاً واضحاً على أنها مُرَّة العيش، مشوب سرورها بالكدر، وفرحها بالحزن، وبالجملة فهي دار تعب وعناء، لا دار راحة وهناء، وإذا كان الأمر كذلك، وجب على من أراد قطع مراحلها بسلام أن يتخذ من صبره درعاً ومن حلمه سربالاً ، وأن يكون كما قال الشاعر:

وكنت إذا أصابتني سهام       تكسَّرت النصال على النصال

وإذا عوَّد نفسه على السكون، وراضها على تحمل الصدمات يَسْلُس له قيادها، ويهون عليه قطع الصِّعاب بما أحب من صبر وسكون، ويعيش في الدنيا قرير العين هادئ البال.

على أن المؤمن بالله تعالى ، وأن الأمور بقضاء مقدَّر منه عزَّ وجل، أهنأ عيشاً وأنعم بالاً من غيره ، فهو في كل شؤونه متوكل على ربه، يرجو منه الخير، ويعوذ به من الشر، وليت شعري أي شيء أنفع للقلب من هذا!!

قد يصاب المرء بعظيم حتى تضيق عليه الأرض بما رحبت، ثم يعود فيذكر أن ما أصابه كان قضاء مبرماً وقدراً محتماً ، فتسكن ثائرة نفسه، ويذهب حزنه إلا قليلاً مما هو فطري في النفس، وبعض الشر أهون من بعض.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين