المرأة في أوروبا الجديدة - ـ
المرأة في أوروبا الجديدة
 ( القرن التاسع عشر )
بقلم الشيخ: حاتم الطبشي
بعد هذا الظلام الدامس الذي غرقت فيه أوروبا ـ طيلة ما يسمى بالقرون الوسطى ـ على مستوى الأخلاق والأسرة والمجتمع، وما نتج عنه من فوضى وانحلال خلقي، وتشتت أسري، تحركت عجلة الحضارة والثقافة الغربيتين، وخاصةً بقيام الثورة الفرنسية، وبدأ أهل أوروبا بخطوات إيجابية لإنهاض المرأة من كبوتها، حيث أصبحت قوانين الطلاق أكثر مرونةً، كما رُدَّ إلى النساء الكثير من حقوقهن الاقتصادية المسلوبة، كذا ارتقت النظريات القائلة بذلَّة المرأة ومهانتها، وعُدِّلت قوانين العشرة والإجتماع التي كانت تضع النساء في مستوى الإماء والجواري، وبذلك أُعيد للمرأة اعتبارها، ورُدَّت لها كرامتها، كما فتحت لها أبواب التعليم والتربية العاليين كالرجال، كما امتدت يد الإصلاح إلى بعض السلبيات الأخرى.
نتيجة لما سبق انبعثت مواهب النساء، وبرزت كفاءاتهن التي كانت مطمورةً تحت أثقال فادحة من قوانين المجتمع الخاطئة، وتصورات الأخلاق الجاهلية.
فقمن بتعهد البيوت، وتحسين آداب العشرة، وأبلين بلاءً حسناً في سبل الخير وأعمال البر.
وأول ما ظهر من آثارهن في المجتمع :
· ترقية الصحة العامة
·  مواساة المرضى والعناية بهم
·   تنمية النظام العائلي، والمحافظة على آدابه
·    تربية الجيل الناشىء والاهتمام والعناية به
حصلت المرأة على حقوقها كاملة، وأخذت تمارس دورها دون اعتراض أو تقييد، لكن ـ وللأسف ـ كانت تلوح في الأفق ومنذ الأيام الأولى لهذه الانطلاقة بوادر نزوعٍ إلى الافراط ومَيْلٍ عن القصد، ثم نما هذا النزوع واشتد هذا الميل في القرن التاسع عشر، وما كاد يبتدىء القرن العشرون حتى بلغ نظام الاجتماع الغربي نهاية الافراط والبعد عن القصد.
أوروبا القرن العشرين :
    ( بداية النهاية )
      في هذا القرن أسَّسَ المجتمع الأوروبي بنيانه على نظرياتٍ ثلاث :
1. المساواة بين الرجال والنساء.
2. استقلال النساء بشؤون معاشهن ( الاستقلال الاقتصادي ).
3. الاختلاط المطلق بين الرجال والنساء.
وكان من نتائج هذه النظريات :
أ – أن المجتمع الأوروبي فهم معاني المساواة على ألا يكون الرجل والمرأة متساويين في الحقوق البشرية، والمنـزلة الخلقية فحسب، بل التساوي المطلق وفي كل شيء، حيث تؤدي المرأة في الحياة المدنية ما يؤديه الرجل، وأن يُرْخَى لها عنان القيود الخلقية مثل ما أُرخي للرجل من قبل، مما جعل المرأة تنحرف عن أداء واجباتها الفطرية، ووظائفها الطبيعية، والتي يتوقف على أدائها بقاء المدنية وتقدم البشرية، بل بقاء الجنس البشري.
استهوتها الأعمال، والحركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجذبتها معارك الانتخابات النيابية، ووظائف المكاتب والمعامل، ومنافسة الرجال في المهن الحرة، التجاري منها والصناعي، حتى في قيادة الشاحنات الكبيرة والمعدات الثقيلة، وقيادة القاطرات والطائرات، إلى جانب المشاركة في الألعاب والمسابقات الرياضية، وحضور مجالس اللهو في المسارح والمراقص والسهرات العامة.
هذه وأمثالها من مشاغل الحياة ومتعها، وأسباب اللهو والمجون، هذه كلها استولت على مشاعرها، وشغلت أفكارها وعواطفها شغلاً أذهلها عن وظائفها الطبيعية، وطرد من حياتها القيام بتبعات الحياة الزوجية، وتربية الأطفال وخدمة العائلة، وتنظيم الأسرة، بل كرَّه إلى نفسها كل هذه الأعمال والتي هي وظائفها الفطرية الحقيقية.
وأول ما نتج عن هذا  أن تمزق النظام العائلي، والذي هو أساس المدنية، ودعامة المجتمع، وتبددت الحياة الأسرية، وتبعتها رابطة العقد والزواج، مما أدَّى إلى منع تكاثر النسل بقتل الأولاد وضبط التوليد، وإسقاط الحمل.
      وجاء التصور الخاطئ للمساواة يُساوي بين الرجال والنساء في التبذل وفساد الأخلاق، حتى تلك المخزيات التي كان يتحرج من مقارفتها الرجال من قبل، لا تستحيي بنات حواء من ركوبها في المجتمع الغربي الحديث.
      ب – إن استقلال النساء بمعايشهن واضطلاعهن بشؤونهن الاقتصادية، قد جعلهن في غنىً عن الرجال، وانعكس الحال، بعد أن كان الرجل يكد ويكدح ويكسب لينفق على زوجته وأولاده، في حين المرأة متفرغة لشؤون البيت وتربية الأولاد والعناية بهم وبالزوج، الذي يؤمن لهم كل مايلزم من مسكن ومأكل وملبس وتعليم.
نشأ عن هذا الاستقلال - وما تبعه من استغناء للمرأة الغربية عن الزوج – والذي نشأ عنه غياب عن البيت، وإهمال لمن فيه من زوج أو ولد، حتى تهدمت أركان الأسرة، ووجد الرجل – خارج البيت – من تغنيه عن زوجته، وفعلت الزوجة الشيء نفسه، حتى ظهر جيل متزوج لكن مع وقف التنفيذ، سواء من جانب الزوج أو الزوجة، واستغنى كل منهما عن الآخر بمن وجد ممن يتساقى معه كؤوس الرذيلة ويعوضه عن الزوج الذي اقترن به، واستمر الأمر على هذه الشاكلة حتى تساهلت الكنيسة بشأن الطلاق، والذي وجد فيه كلا الطرفين حريته وانعتاقه من قيوده، وتم هذا على حساب المجتمع.
ج - ولقد فتحت مصيبة الاختلاط بين الرجال والنساء أبواب الشر على مصراعيها، وهي المعاول الأولى التي أتت على بنيان الأسرة، ثم المجتمع، حيث أثار هذا الاختلاط بين الجنسين غريزة التبرج والتكشف ثم التعري، وما جرَّ ذلك على المرأة من تتبع لآخر صيحات الموضة، كما أن أصحاب مصانع المواد التجميلية شمَّروا عن سواعدهم، ليغرقوا الأسواق بكل جديد لديهم، وما يلبثوا أن يأتوا بالجديد ليمحو القديم ويلغيه، والمرأة تتفنن في أسباب الفتنة والإغراء، ولا يقف هذا الأمر عند حد، بل كالشارب من البحر كلما شرب ازداد ظمؤه، فكل يوم خلاعة وسفور، ولهاث وراء شهوات لا يسكن أوارها ولا ينطفىء سُعارها، وليته يقف عند حد، أو يقنع بما يصل إليه. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين