نصائح وتوجيهات للشباب والشابات الذين حالت عوائق دون زواجهم المبكر

* لاشك أن الزواج المبكر خيرٌ وبركةٌ للشاب وللفتاة، وحرْزٌ آمن لهما من الوقوع في شراك الفتنة، وتأخيره أمر مخالف للفطرة، ولكن إن حصل تأخير الزواج بشكل عام سواء أكان ذلك بسبب أولياء الأمور، أو من التقاليد والعادات المخالفة للشرع، فكيف يستطيع أن يحمي أولئك الشباب والشابات أنفسهم من الوقوع في شراك الفتنة والرذيلة؟ وفيما يلي بعض التوجيهات التي تساعد على ذلك:

1ـ الإيمان بالقضاء والقدر، والرضى بما قسمه الله تعالى لعباده، وأن يوقن الإنسان بأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وما كان له فلن يذهب إلى غيره، وما كان لغيره فلن يأتي إليه، وهذا لا يعني أبداً الاستسلام وعدم السعي، بل على الإنسان أن يجتهد في الحصول على ما يتمنَّاه من الخير، بكل أسلوب ممكن ضمن الضوابط الشرعيَّة، ثم بعد ذلك يسأل الله أن يوفقه للخير، وأن يُيسره له ، وليتأمَّل قول الله تعالى: [قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا] التوبة:51، وقوله: [وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ]الرعد:8.

ثم بعد ذلك فأَمْرُ المؤمن كله خير ، والرضى بالقضاء والقدر من أعلى درجات الإيمان، وقد روي في الحديث القدسي: «من لم يرضَ بقضائي ولم يصبر على بلائي فَلْيلتمس رباً سواي».

2ـ مراقبة الله تعالى في السِّر والعَلَن، واستشعار عظمة الله تعالى، وأنه سبحانه أحاط بكل شيء علماً، لا تخفى عليه خافية: [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ]غافر:19.

وعلى المؤمن أن يستشعر خطر الذنب على دينه، بل حتى على دنياه يقول ابن عباس رضي الله عنه :« إن للسيئة لظلمةً في القلب، وسواداً في الوجه، ووهناً في البدن، وضعفاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق»...

ثم يستشعر بعد ذلك بأن متاع الدنيا ظلٌّ زائل، وأنَّ نعيم الآخرة هو النعيم الباقي، وإنَّ هذا الشعور وهذه المراقبة لله تعالى خير حافظ للمؤمن للمحافظة على الطهارة والعفَّة والحمية من الوقوع في الرذيلة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: « احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك...»

3ـ غض البصر والابتعاد عن المثيرات الجنسية:

قال الله تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... ]. [النور].

قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى متحدِّثاً عن غض البصر: «فإن قيل: فَلِمَ قدَّم غض الأبصار على حفظ الفروج، قلنا: لأن النظر بريد الزنى، ورائد الفجور، والبلوى فيه أشدُّ وأكثر ولا يكاد يحترس منه».

قال الشاعر:

كلُّ الحوادث مبدؤها من النظر=ومعظم النار من مستصغر الشرر

وقال آخر:

نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ=فكلامٌ فموعدٌ فلقاء.

ومن الأمور التي تهيج الغريزة، وتدفع إلى الوقوع في الرذيلة ـ نسأل الله السلامة ـ : متابعة الأفلام الخليعة، ومشاهدة القنوات الفضائية التي تدعو إلى الفاحشة عن طريق التمثيليات والمسرحيات التي تتكلم عن الحبِّ والعشق، وعن علاقة الإنسان مع محبوبته، وكذلك سماع الأغاني الماجنة، ومشاهدة الصور والمجلات الرخيصة، حيث إن كل هذه الأمور تساعد ـ والعياذ بالله تعالى ـ على انتشار الرذيلة، والله تعالى يقول:[وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا] {الإسراء:32}.

4ـ شغل الفراغ بالمفيد النافع:

إنَّ الفراغ إذا لم يستغل بالمفيد النافع، استغله الشيطان بالضار القاتل، فالمؤمن يستشعر أن هذا الوقت محاسب عليه كما في الحديث:

« لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فَعَلَ فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه».

وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».

فالصحة والفراغ يُفَرِطُ فيهما كثير من الناس، والمؤمن هو الذي ينظم حياته، ولا يدع فيها مجالاً لعبث الشيطان وأهل الهوى.

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى:« لقد وزَّع الإسلام العبادات الكبرى على أجزاء اليوم وفصول العام، فالصَّلوات الخمس تكتنف اليوم كله، وقد نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرسم له أوائل الأوقات وأواخرها، ليكون ذلك نظاماً محكماً دقيقاً يرتِّب الحياة الإسلامية ويقيسها بالدقائق من مطلع الفجر إلى مغيب الشمس إن شحن الأوقات بالواجبات، والانتقال من عمل إلى عمل آخر، ولو من عمل مُرْهِق إلى عمل مُرفَّه، هو وحده الذي يحمينا من عمل التبطُّل ولوثاتِ الفراغ.

إنَّ توزيع التكاليف الشرعيَّة في الإسلام منظورٌ فيه إلى هذه الحقيقة، ألا يُترك للنفس فراغ يمتلئ بالباطل، لأنه لم يمتلئ من قبل بالحق فلا ينبغي أن يشعر امرؤ أنه لا عمل له».

5ـ مجالسة الصالحين والبعد عن مجالسة أهل السوء:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور:« إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيَك، وإما أن تَبْتَاعَ منه، وإما أن تجدَ منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يَحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ».

فمجالسةُ الصَّالحين رابحة دائماً، فإن لم يستفد المُجالس لهم من علمهم، استفاد من عملهم وسلوكهم، وإن لم يستفد من سلوكهم فلا أقلَّ من أن يكسب بمجالستهم السمعةَ الطيبة بين الناس..

أما مجالسة أهل السوء فإنها أذى وشرٌ على أصحابها، فإن لم يتأثر المُجالسُ بسوئهم، أصابته السمعة السيئة كما في الحديث:« وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة».

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر:« ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق، فإن لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم فَتَرَ عن عمله».

وقال الإمام المحاسبي رحمه الله تعالى بعد أن ذكر صفات العلماء الصالحين الورعين الزاهدين: « فهكذا فكن، ولمثل هؤلاء فاصحب، ولآثارهم فاتبع، وبأخلاقهم فتأدب، فهؤلاء الكنز المأمون، بائعهم بالدنيا مغبون، وهم العدَّة في البلاء، والثقة من الأخلاء، إن افتقرتَ أغنوك، وإن دعوا الرب لم ينسوك»، [أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ] {المجادلة:22}

ومما يؤكِّد على تأثير الصحبة في سلوك المرء: ما ورد في الحديث الصحيح عن الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله، حيث أشار عليه العالم المربي بعد أن تاب:« انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء...».

فتوجيه التائب إلى صحبةٍ تساعدهُ على العمل الصالح أمرٌ مهمٌ وأساسي.

نشرت هذه المادة بتاريخ 1/أكتوبر/2009 وتم تنسيقها وإعادة نشرها اليوم 16/12/2018

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين