القائد (المعجزة)!

 
 
 
د. باسر العيتي
 
 
إن التجدد هو سنة الحياة، ولقد خلق الله الناس مختلفين متنوعين لحكمة عظيمة وهي رفد الحياة على نحو دائم بشخصيات جديدة وأفكار جديدة ودماء جديدة وإن اختصار الأمة كلها في رجل واحد هو خنق لهذه الأمة وتدمير لطاقاتها.
 
القائد العظيم هو ذلك الشخص الذي يعمل منذ اللحظة الأولى لتسلمه القيادة على بناء نظام يخرِّج القادة وليس نظاماً يقتل القادة!
 
القائد العظيم لا يضيره أن يخلي مكانه بعد خمس سنوات أو عشر سنوات إلى قائد غيره لأنه يعلم أن التاريخ لا ينتهي عنده وأن الأمة التي أنجبته يمكن أن تنجب العشرات من أمثاله. القائد العظيم هو إنسان متواضع يعتبر نفسه حلقة في سلسلة أو لبنة في جدار ولا يعتبر نفسه السلسة كلها أو الجدار كله! لقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أول من أرسى مفهوم القيادة هذا عندما شبه نفسه نسبة إلى الأنبياء الذين سبقوه بأنهم كمن بنى جداراً ثم جاء هو ووضع اللبنة التي أكملت الجدار ولم يقل أنه بنى الجدار كله _ مع أنه رسول الله وخاتم الأنبياء ـ كما يفعل اليوم قادة ينسبون أمجاد الأمة كلها إلى أنفسهم وكأن تاريخ الأمة قد بدأ بهم وكأن الأمة من دونهم كانت ستصبح هباء منثوراً.
 
إن كل ما يقوله هؤلاء عن إيمانهم بشعوبهم لا قيمة له لأن أفعالهم تخالف أقوالهم فمن ينصب نفسه قائداً إلى الأبد إنما يقول لشعبه (بلسان حاله وهو أبلغ من لسان المقال): أيها الشعب أنت أعقم من أن تلد قائداً غيري وأعجز من أن تخرج قائداً غيري، وفي ذلك قمة الاستخفاف بالشعب وقمة الاحتقار له!
 
إن أي فكر ديني أو غير ديني يساهم في إعداد الناس لقبول هذه القيادات الفارغة التي تختصر الأمة كلها في أشخاصها، هو فكر يمكّن لهذه القيادات ويعطيها الفرصة لتعربد فوق شرف الأمة وكرامتها عشرات السنين ثم تُسلمها إلى الهلاك والدمار.
 
لا يمكن أن يحدث أي نهوض حضاري في منطقتنا ما دام هناك قبول لدى الكثيرين بفكرة (القائد المخلص) و(الزعيم الأوحد)، هذا مرض فكري على مفكري الأمة ومثقفيها وعلمائها وقادتها الحقيقيين أن يتكاتفوا لتخليص الأمة منه. لقد آن الأوان لبناء ثقافة جديدة تجعل الناس يقبلون كل قائد يعبِّد الطريق أمام شعبه ليحقق أحلامه في الحرية والكرامة والازدهار ثم يسلم زمام الأمور لغيره بعد خمس سنوات أو عشر سنوات كما يحدث في معظم دول العالم ويرفضون ذلك (القائد) الذي ينصب نفسه وثناً أبدياً سرمدياً تتحطم عند قدميه كل الأحلام، بل تتحطم شعوب ودول بأسرها!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين