مفارقات بين الألم والأمل والعمل في ذكرى النكبة


أ.د. صلاح الدين سلطان
 
نمر اليوم بالذكرى الخامسة والستين لتقسيم فلسطين، وهو ما صار يعرف بيوم النكبة منذ 15/5/1947م، وأحب أن نحول الأزمة إلى فرصة، والنكبة إلى نصرة لتحرير الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين من الصهاينة المحتلين، يقول الشاعر:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته      حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
ويجب أن نفكر دائما بعقل الرجل المبادر لا المرأة التي تولول على مصيبتها، وبعض الرجال يولولون وكثير من النساء مبادرات، فالرجولة هنا صفة وليست جنسا، وللأسرى والأقصى والقدس وفلسطين رجال قال الله عنهم: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب:22)، وتأصيلا لمنهج الألم والأمل والعمل قال تعالى واصفا فساد بني إسرائيل: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" (الإسراء:4)، لكن بعدها مباشرة حوَّل الله تعالى النص الواصف لحجم فساد بني إسرائيل إلى أمل وعمل حيث قال تعالى: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا" (الإسراء:5)، والحق أن هذا المنهج هو ما يجب أن نتبناه أن نذكر الألم في النكبة بتقسيم الأرض وخيانة العالم لكل القيم والمبادئ الأخلاقية مما ارتكز عليه الصهاينة في المذابح والقتل والسفك والطرد والسجن والأسر والتهويد والاستيطان والحصار مما اعتبره كله عرضا، أما المرض فهو شيء واحد هو الاحتلال، فليكن المصب الرئيسي ليس على علاج العَرَض بكل طاقاتنا، بل ب20% فقط من جهدنا لعلاج قضايا العرض ، وال80% في المشروع الأكبر وهو إنهاء الاحتلال لنصل إلى تحرير الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين بإذن الله، وقد كان من مشاريع الأمل والعمل قبل ذكرى النكبة زيارتنا لغزة هاشم، في يوم 28 جمادى الآخر1434هـ، الموافق 8/5/2013م، في رحلة تاريخية للعلامة الشيخ القرضاوي إلى غزة على رأس وفد رفيع المستوى لعلماء ودعاة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من ست عشرة دولة لكسر الحصار ومؤازرة أهلنا في غزة وجمع الكلمة في فلسطين، وهناك كان اللقاء بالحكومة المنتخبة برئاسة دولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وأعضاء المجلس التشريعي، ومجلس القضاء الأعلى، والقوى الشعبية، وفصائل المقاومة، وطلاب وطالبات وأساتذة الجامعات، واللقاء الجماهيرى بساحة الكتيبة الخضراء الذي اقترب من مليونية التحرير، واللقاء مع الشعراء حتى الفتيات الصغيرات اللاتي تشبعن بالجهاد، واللقاء بالأسرى المحررين، وزيارة الأراضي المسماة بالمحررات بعد أن كانت كلها مستعمرات من الكيان الصهيوني، وكانت العريش أيضا محطة رئيسية للوفد العالمي للتوقف مع أهلها البواسل وشعب سيناء العظيم، في حفاوة بالغة بالشيخ ومرافقيه، ومهرجان معبر كمًّا وكيفًا عن أصالة شعبنا في سيناء، في برنامج متميز ضم نخبًا وممثلين من التيارات الإسلامية في الجماعة السلفية و الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين، وعلماء الأمة، وحضور فخامة الرئيس السابق للسودان المشير عبد الرحمن سوار الذهب، يعبر عن تضافر وتعاون كل الإسلاميين في دعم إعمار مصر وتحرير فلسطين، مما يدل على أن قطار التحرير قد انطلق وصار كالريح اللواقح لنهضة أمة الإسلام والمسلمين، اللوافح لاقتلاع بني صهيون، ومن أراد الله به شرف الدنيا ونعيم الآخرة فلا يجوز له أن يتخلف عن هذا القطار الذي انطلق ويقف في المحطات التاريخية والذكريات المؤلمة ليكون الناس صنفين:
الأول: وهو الذي اكتفى بذكريات الألم، ويتضاعف لديه الهم والحزن، وأحسن ما يقدم هو ما ذكره الله تعالى: "وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" (الأحزاب: 20).
الثاني: وهم المبادرون المنتفضون على النفس قتلا لليأس، وحركة دائبة نحو علاج أصل المرض وهو الاحتلال ب 80% من الجهد والوقت والمال، وعلاج العَرَض وهو التهويد والأسر والقتل والطرد والحصار و... ب20% من الجهد ليكون الأمر كما قال تعالى عن هؤلاء: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَاعَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب: 23)، وقال تعالى: "لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (الحديد: 10).
ولمثل هؤلاء أضع عشرين من الجوانب العملية لمشروع إنهاء الاحتلال وهو المرض، ومعه علاج العَرَض عمليا في التهويد والتهجير، والاستيطان والعدوان، والأسر والقتل والحصار:
 
1.المتابعة الدقيقة لمعرفة جوانب الألم في قضية الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين كأن المصيبة في قعر بيتنا وبين أهلنا.
2.بعث عقيدة الأمل من خلال اليقين بقوة الملك التي لا تقهر، وقوة المنهج الذي لا يتغير، والاعتزاز بتاريخنا الحافل في مواجهة المغول والصليبيين، وواقعنا الماثل من خلال الربيع العربي، وتنامي التيار الإسلامي في العالم كله.
3.إحياء وإعلان عقيدة الجهاد والمقاومة، ورفض المفاوضات والسلام مع الصهاينة، مع ضرورة أن يكون إحياء الجهاد من الطفولة المبكرة.
4.دراسة وحفظ وفهم نصوص القرآن والسنة النبوية، بعمل ختمة تدبر بحثا عن موضوع واحد هو: "خصائص بني إسرائيل في القرآن الكريم"، ثم دراسة السنة والسيرة النبوية وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم عمليا مع تجمعات اليهود في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر وإحياء فقه التأسي في مواجهتهم.
5.دراسة وحفظ وفهم نصوص الجهاد في سبيل الله، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ودراسة كتاب "معركة الوجود بين القرآن والتلمود" للدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، و"فقه الجهاد" للعلامة القرضاوي.
6.دراسة تاريخ اليهود ومواقفهم مع الأنبياء والرسل والشعوب والأنظمة، مع أهمية دراسة موسوعة د.المسيري عن الصهيونية، وكتاب فلسطين- واجبات الأمة – 1135 دورا إيجابيا لنصرة فلسطين للدكتور راغب السرجاني، ومتابعة إصدارات المراكز العلمية المتخصصة مثل الزيتونة، ومركز الإعلام العربي وغيره مما يجعلنا متابعين لتطورات القضية يوما بيوم.
7.عمل مهرجانات جماهيرية وشعبية لإحياء الجهاد ونصرة الأقصى، تجمع بين الأنشودة والقصة والشعر والمقالات والمشغولات واللوحات والمسرحيات.
8. تبني منهجية الاقتصاد في الكماليات والتوسع في الصدقات، لمساندة المقدسيين والمسجد الأقصى والمحاصرين في غزة.
9.أن يقوم النخبة من خلال المقالات والفضائيات برد الشبهات التي يثيرها الصهاينة وعملاؤهم حول أحقيتهم في أرض فلسطين وخرافاتهم في موضوع الهيكل.
10.         العمل على إزالة الشبهات والافتراءات والأكاذيب التي يختلقها العملاء والخونة ضد المقاومة المشروعة في فلسطين، وسرعة الرد عليها قبل أن تتحول إلى رأي عام كاذب.
11.         تكوين لجان شعبية ونقابية تتواصل مع النخب الحاكمة، وأصحاب الأقلام المؤثرة والقنوات الفضائية سعيًا إلى تبني القضية الفلسطينية وفق منهجية السياسة الشرعية وليس الخساسة الواقعية، وتشكيل جماعات ضغط سلمية ومجموعات شبابية للتصحيح لا التجريح، والنصيحة لا الفضيحة.
12.         إحياء وتفعيل ثقافة المقاومة الإلكترونية لبيان الوجه القبيح للكيان الصهيوني، والحق الأصيل لعودة الشعب الفلسطيني، وحق الأمة في تحريرمقدساتها الإسلامية خاصة الأقصى.
13.         دعم وتبني معارض ومناشط في دول الغرب بشكل دوري تبين حقيقة الاعتداءات الصهيونية على الأطفال والنساء والمقدسات وتشويه الحقائق التاريخية، وفضح وإنهاء الحصار على غزة.
14.         عدم الانشغال بالتفاهات إذا اشتدت الأزمات، أو تقديم النوافل على حساب الفرائض؛ فإن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، وشغل الأمة بالتحسينيات عن الضروريات والحاجيات هو من العجز عن الفهم، أو العمد إلى تمرير وتطويل الاحتلال.
15.         السعي الحثيث إلى التقريب بين الجماعات، والوصول إلى الأخوة الحميمة، والوحدة والائتلاف، والسلم الاجتماعي في كل بلد إسلامي، ودعم المصالحة الفلسطينية بين المقاومين لا الخونة والعملاء المسالمين، وتوجيه كل طاقات الغضب نحو الصهاينة المعتدين.
16.         أن يجمع كل منا بين الحلم والأمل، والجد والعمل؛ لنيل الشهادة في سبيل الله، ونرفع شعارنا: "نبني أوطاننا ونحرر قدسنا"، أخذًا بكل أسباب القوة البدنية والخلقية والفكرية والروحية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية لقهر عدونا.
17.         تفعيل ودعم دور المرأة والفتيات لنصرة الأسرى والأقصى، وتقدير دورهن سواء داخل الأراضي المقدسة أم على مستوى الأمة كلها.
18.         تقدير ودعم دور المقدسيين شيبا وشبابا، رجالا ونساء في حماية المسجد الأقصى وتأكيد أهمية استمرار الانتفاضة ضد الهيكل وكُنُس الخراب، وتهويد الأرض، وبناء المستوطنات، وتشويه التاريخ.
19.         أن يطلع العلماء بدورهم ببيان الحكم الشرعي في وجوب نصرة الأقصى، ومقاومة المعتدين ومقاطعة المتعاونين معهم والبضائع المدعمة لهم، وأن ينشروا فقه الجهاد وآدابه وأحكامه وضرورة الاستعداد له، وأن يتحدوا في رؤية واحدة ضد مشاريع الاستسلام والمفاوضات.
20.         أخيرا دوام التضرع والابتهال إلى الله الواحد القهار، والصيام والقيام والبذل والإنفاق، والدعاء والقنوت أن يعز الله الإسلام والمسلمين، وأن يحرر بنا الأســــرى والأقصى والقدس وفلسطين، وأن يحفظ الأمة من كيد الخائنين، وأن يشفي فيهم صدور قوم مؤمنين، فالدعاء مع العمل هو العبادة ومفتـــاح الأمل كما قال تعالى: "وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (الصف: 13).
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين