الحياة جهادٌ مستمرٌّ

الشيخ : جميل العقاد
 
حقاً إنَّ الأماني التي تَجيش في نفس الإنسان لهي الباعث الأول على خوض الحياة العمليَّة المسودة بأنواع المخاطر، وإن أول باعث ينفخ في رُوعي، وأهم حافز يحفزني على الجد والمثابرة، تفرق الأمة الإسلامية شعباً وأحزاباً، كل يناوئ الآخر حتى فشلوا جميعاً وطاش سهمهم، فأصبحنا وراء الوراء، لا دين يردع، ولا دنيا تُنقذ، فسبَّب لي هذا التدهور الأخلاقي وخزاً في الضمير.
 
كلما رأيت أمتي المغلوبة على أمرها المهضومة الحق المهيضة الجناح، تعبث بها الأهواء، وتلعب بقلوبها الأيادي الأجنبية، فلا تدري إلى أين هي سائرة، ولا إلى أين تساق، ولا ماذا يراد بها، قد ضلَّت طُرق الرشاد، وحادت عن سبيل الإنتاج، وتعامَت عن الصراط المستقيم، الذي يصل بها إلى السعادتين، لذلك أشعر دائماً في أن الملقى على عاتقي أمر عظيم أحاسب عليه أمام الله، وأمام ضميري، ألا وهو الأخذ بيد الأمة التي عثر جدها، حتى تبلغ المكانة اللائقة بها على قدر طاقتي، فهذه الناحية التي أقضَّت مضجعي وجعلتني لا تمضي عليَّ برهة، إلا وأنا أفكر في كيفية الخلاص من هذه القيود التي غَلَّت أيدينا إلى أعناقنا، فجعلت الكثير لا يفكر إلا في أمر نفسه، وهذا التفكك أول مزلق من مزالق الهلكة والفناء، ولكني قد جعلت شعاري قول الحكيم: «أمتي قبل انتفاعي».
 
ونصبت أمام عيني قول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه» وفعلاً فإني على ما فيَّ من ضعف قد حقَّق الله لي شيئاً من أمنيتي، فقمت في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف بتأسيس جمعية غرضها الأول النهوض بالأمة الإسلامية من كبوتها وقد أسميتها :«ندوة الأدب العربي» فسرت بها شوطاً مع إخوان لي من جميع الشعوب الإسلامية الموجودة بالأزهر الشريف، فظهر لها أثر تكوين الرابطة الإسلامية، وبعد أن بلغ أفراد الجمعية شأواً بعيداً في فنِّ الخطابة، بدا لنا أن نظهر بمظهر ديني يحقق لنا الغاية التي من أجلها أسَّسنا تلك الندوة، والتي من أجلها لا نعرف طعم الراحة الروحيَّة والهدوء.
 
فقمنا بتأسيس «جمعية الهداية الإسلامية» وأعلنا الجهاد الأدبي لإعلاء كلمة الدين، وسرنا بها خطاً واسعة بفضل الله في رفع راية الإسلام عالية، ثم لا أزال أشعر بعظيم المطالبة بين يدي الله، وأمام الأمة التي أنا فرد من أفرادها، وأشرف بالنسبة إليها، فلم يهدأ وخز ضميري، وأيقنت أن جهود الأعداء قد تضاعفت عما كانت عليه قبل، واتسعت جبهة النضال، وحمي وطيسه، فاشتدت عليَّ هذه الظواهر العدائية، فشمرت عن ساعد الجد، وشكوت بثي وحزني إلى إخوان أعهد فيهم صدق العزيمة والإخلاص، فعقدنا النية على تشكيل جمعية أطلقنا عليها «جمعية الحضارة الإسلامية» وبعد ذلك ألحقناها بجمعيات «الإخوان المسلمين» وجعلنا شعارنا الدفاع عن بيضة الدين، ووقفنا أنفسنا لخدمة الدين الإسلامي الحنيف، الذي كان سبباً في حياتنا الروحيَّة، وخلاصنا من طور الهمجيَّة، والرقي بنا إلى طور الإنسانية، فأعظم بها أمنية أكدُّ وأكدح لها ليلي ونهاري، هي رفع مستوى الأمة الإسلامية دينياً وخُلقياً وعملياً.
 
وقد وهبت نفسي لخدمة الصحف الإسلامية، وجعلت نفسي جندياً لجميع الجمعيات الإسلامية، ومساعداً لجمعية «رابطة المحبين الإسلامية» وكلما خلوت بنفسي، وحسبت النعم التي أنعمها الله عليَّ أجد نفسي مقصراً، ومما أفكر فيه : أن أخرج إلى البادية، وأبث التعاليم الدينية في تلك النفوس التي طهرت من رجس الإلحاد، وبعدت عن أقذار المدنية الغربية، وفقنا الله إلى ما فيه عزنا ورفعتنا والسلام.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: مجلة هدى الإسلام.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين