الصحابي الجليل أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي الله

 

 

 

في الثامن من جمادى الآخرة من السنة الرابعة للهجرة توفي في المدينة المنورة الصحابي الجليل أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي الله، وزوج أم المؤمنين أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمها هند بنت أبي أمية رضي الله عنها.
 
والد أبي سلمة هو عبد الأسد بن هلال بن عمر بن مخزوم، ووالدته بَرة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عمة الرسول، وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب.
 
تزوج أبو سلمة قريبته أم سلمة هند بنت أبي أمية، ووالدها أبو أمية اسمه حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان كذلك زوجاً لعاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان والد أم سلمة سرياً في قومه مشهوراً بالكرم، يقال له زادُ الراكب لأنه كان يُطعم من صحبه في سفره ويمونهم، وهو الذي أشار على قريش عندما اختلفوا على وضع الحجر الأسود أن يجعلوا بينهم أول من يدخل من باب الحرم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه، قالوا: هذا الأمين رضينا به. ومات أبو أمية بن المغيرة في الجاهلية على ما يبدو. وأم سلمة كذلك أخت عمار بن ياسر رضي الله عنهما لأمه. وفي الغالب كان زواجها من أبي سلمة بعد إسلامهما جميعاً، وكانت ثمرة هذا الزواج أربعة أولاد: سلمة وعمر وزينب ودُرَّة.
 
كان أبو سلمة من أوائل المسلمين، إذ أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهو أول من هاجر إلى الحبشة، هاجر إليها الهجرتين ومعه امرأته أم سلمة، وولد فيها ابنه سلمة وعمر.
 
وجاء أبو سلمة من الحبشة إلى مكة ثم هاجر منها إلى المدينة المنورة وكان ثالث المهاجرين كما قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه: أول من قدم علينا المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة أبو سلمة. أما وقت هذه الهجرة فيختلف المؤرخون فيه، فمنهم من يقول بعد بيعة العقبة، ومنهم من يقول قبل بيعة العقبة بسنة، ومنهم من يقول قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بشهرين، وأياً كان وقت هجرته، فمن الثابت أنه نزل في قباء على مبشِّر بن عبد المنذر، وهو صحابي أنصاري كريم نزل عليه أغلب المهاجرين الأوائل واستشهد في بدر، ولما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة جعل لأبي سلمة داراً عند بني زُهرة.
 
ولما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين وبين الأنصار آخى بين أبي سلمة وبين الصحابي الأنصاري سعد بن خيثمة بن الحارث السلمي، وهو من أوائل مسلمي الأنصار، شهد بيعة العقبة وكان أحد النقباء الأثني عشر من الأنصار، وعليه نزل كذلك عدد من عزاب المهاجرين، حتى كان يقال لمنزله منزل العزاب.
 
ومنعت قريش أبا سلمة من أن يصطحب معه زوجته أم سلمة وابنه الصغير سلمة، فبقيت قرابة سنة بعده حتى لحقت به، وكان أبو سلمة لما أراد الهجرة، رحّل لها بعيراً وحملها عليه، وفي حجرها ابنها سلمة، فلما رآه رجال بني المغيرة قالوا: هذه نفسك قد غلبتنا عليها؛ فما بال صاحبتنا؟ لا ندعك وتسييرها في البلاد. ثم انتزعوا خطام البعير من يده، وأخذوها إليهم، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد بن هلال، وقالوا: والله لا نترك ابنها عندكم إذا نزعتموها من يد صاحبنا، يعنون أبا سلمة. وتجاذبوا سلمة بينهم، حتى خلعوا يده، فكانت مخلوعة حتى مات. ثم انطلقوا به. فكانت، وهي عند أهلها من بني المغيرة، تخرج فتقعد على الصفا، ثم تقول:
 
يا رَخَّم الجوّ ألا استقلّي ... وفي بني عبد الأسد فحلّي
 
                                                                                                                                                                                                        ثم هلالا وبنيه فلّي
 
تدعو على بنى هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أن تأكل الرَّخَم لحومهم، فروي عنها أنها قالت: جلست بالأبطح أبكي، وكنت أفعل ذلك كثيراً، فرآني ابن عم لي، فكلم بني المغيرة فيّ وقال: ألا ترون ما بهذه المسكينة من الجهد لتفريقكم بينها وبين زوجها وولدها؟ فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. وردَّ علىَّ بنو عبد الأسد ابني، فرحلت بعيري، ووضعت ابني في حجري، ثم خرجت أريد أبا سلمة بالمدينة، فلما كنت بالتنعيم، لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبد الدار، وكان آنذاك مشركاً، فقال: أين تريدين يا ابنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بيثرب. فقال: أو ما معك أحد؟ قلت: لا والله. فقال: مالك مَتْرَك. وأخذ بخطام البعير وانطلق معي يقودني، فوالله ما رأيت أكرم مصاحبة منه: كنت أبلغ المنزل، فينيخ جملي ثم يستأخر عني. فإذا نزلت، حط عن بعيري، وقيده، ثم أتى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح، قدم البعير فرحله ثم استأخر وقال: اركبي. فإذا استويت على البعير، قادني. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة. فلما رأى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعاً إلى مكة.
 
وبذلك كانت أم سلمة أول مهاجرة من النساء إلى المدينة، وكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة! وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.
 
وأسلم عثمان بن طلحة في هدنة الحديبية، وهاجر قبل الفتح مع خالد بن الوليد، ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وإلى ابن عمه شيبة والد بنى شيبة مفاتيح الكعبة، أقرها عليهم في الإسلام كما كانت في الجاهلية، ونزل في ذلك قوله تعالى: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾، وقُتِل رحمه الله شهيدا بأجنادين في أول خلافة عمر .
 
كان أبو سلمة من كبار صحابة رسول الله ممن يثق بحكمتهم وحسن تصرفهم، يدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة المنورة يوم خرج في جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة في غزوة ذات العشيرة يعترض قافلة لقريش خرجت إلى الشام، وشهد أبو سلمة بدراً وكان أخوه لأبيه الأسود بن عبد الأسد ممن خرج مع قريش يوم بدر، وكان قد حلف ليكسرن حوض النبي صلى الله عليه وسلم فقاتل حتى وصل إلى الحوض، فأدركه حمزة بن عبد المطلب،وهو يكسر الحوض، فقتله، واختلط دمه بالماء، وقيل هو أحد المستهزئين الذين عناهم الله في آخر سورة الحجر في القرآن الكريم ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾، وقيل إن أبا سلمة وأخاه الأسود هما الذين نزلت فيهما هذه الآيات من سورة الكهف التي أولها:﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾
 
وابنة أخي أبي سلمة الأسود هذا هي المخزومية التي سرقت فشفع فيها أسامة بن زيد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قام فخطب قال: يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع محمد يدها!
 
وفي يوم أُحد أصاب أبا سلمة سهم في عضده رماه به أبو أسامة الجشمي، فرجع إلى منزله فجاءه الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى حمراء الأسد، فركب حمارا وخرج يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه حين هبط من العصبة بالعقيق فسار مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انصرف مع المسلمين ورجع من العصبة.
 
وأقام أبو سلمة شهرا يداوي جرحه حتى رأى أن قد برأ ودمل الجرح على بغي لا يدرى به، فلما كان هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة شكل رسول الله سرية من 150 مقاتلاً، ودعا أبا سلمة فقال اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها، وعقد له لواءً، وقال سر حتى ترد أرض بني أسد، فأغِرْ عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعُهم. وأوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا.
 
وكان سبب هذه السرية أن رسول الله بلغه أن أن طليحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما للهجوم على المدينة المنورة، وقالوا: نسير إلى محمد في عقر داره، ونصيب من أطرافه فإن لهم سَرْحاً يرعى جوانب المدينة، ونخرج على متون الخيل فقد أربعنا خيلنا ونخرج على النجائب، فإن أصبنا نهبا لم نُدرك وإن لاقينا جمعهم كنا قد أخذنا للحرب عدتها؛ معنا خيل ولا خيل معهم، ومعنا نجائب أمثال الخيل، والقوم منكوبون قد أوقعت بهم قريش حديثا، فهم لا يستبلون دهرا ولا يثوب لهم جمع.
 
فخرج أبو سلمة في أصحابه فأغذوا السير، وتنكب بهم عن سنن الطريق وعارض الطريق وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الأخبار وانتهوا إلى أول ماء من مياه بني أسد يدعى قَطَن، كانوا مجتمعين عليه ويبعد 300 كيل شرقاً عن المدينة المنورة، فوجدا سرحاً للمتآمرين فأغاروا عليه فضموه وأخذوا رعاء لهم مماليك ثلاثة وأُفلِت سائرهم، فجاءوا جمعَهم فخبروهم الخبر، وحذروهم جمع أبي سلمة وكثَّروه عندهم، فتفرق الجمع في كل وجه.
 
وورد أبو سلمة الماء فوجد الجمع قد تفرق، فعسكر وفرق أصحابه فجعلهم ثلاث فرق، فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا في ناحيتين شتى، وأوعز إليهما ألا يمعنوا في طلب، وألا يبيتوا إلا عنده إن سلموا، وأمرهم ألا يفترقوا، واستعمل على كل فرقة عاملا منهم، فآبوا إليه جميعاً سالمين غانمين، وعاد السرية ظافرة منتصرة وقد كسرت شوكة عدو الله ورسوله.
 
ولما مرض أبو سلمة جاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فوافق دخوله عليه خروج نفسه، وبينه وبين النساء ستر مستور فبدأ بعض النسوة في الدعاء على أنفسن، كأن يقلن ويحي أو يا شؤم حظي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم الميت فلا تدعون على أنفسكن إلا بخير فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون. فلما فاظت نفسه بسط النبي صلى الله عليه وسلم كفيه على عينيه فأغمضهما، ودعا له هذا الدعاء العظيم: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافْسَحْ له في قبره، ونوِّر له فيه.
 
وقيل فيه نزلت الآيات من سورة الحاقّة: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾، وغُسِّل أبو سلمة بالعالية، وكان ينزل هناك حين تحول من قباء، من بئر اسمها اليسيرة لبني أمية بن زيد، غُسِّل بين قرني البئر، وكان اسم البئر في الجاهلية العبير فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم اليسيرة.
 
روى مسلم وابن ماجة عن أم سلمة قالت: لما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، ما أقول؟ قال: قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عُقبى حسنة. قالت: فقلتُ فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدا صلى الله عليه وسلم
 
كان وقع وفاة أبي سلمة قاسياً على أم سلمة رضي الله عنهما، روى الإمام مسلم عنها قالت رضي الله عنها: لما مات أبو سلمة قلت غريبٌ وفي أرض غربة، لأبكينه بكاء يُتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد – تعني العالية في المدينة المنورة - تريد أن تسعدني – أي تشاركني النوح - فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتريدين أن تُدخِلي الشيطانَ بيتا أخرجه الله منه؟ مرتين، وكففت عن البكاء فلم أبك.
 
روى مسلم وابن ماجة وهذا لفظه عن أم سلمة رضي الله عنها أن أبا سلمة حدثها أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به من قوله ﴿إنا لله وإنا إليه راجعون﴾ اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأْجُرني فيها، وعوضني منها، إلا آجره الله عليها وعاضه خيراً منها.
 
قالت: فلما توفي أبو سلمة ذكرت الذي حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه فأجرني عليه،ا فإذا أردت أن أقول وعِضْني خيرا منها، قلت في نفسي: أُعاض خيراً من أبي سلمة؟ من خيرٌ من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قلتها فعاضني الله محمدا صلى الله عليه وسلم وآجرني في مصيبتي.
 
وكان أبو سلمة فيما يبدو لا مال له، لأن أم سلمة وجدت نفسها مضطرة للإنفاق على أولادها وأولاده، روت ابنتها زينب أن أمها سألت الرسول: يا رسول الله! إن بني أبي سلمة في حجري، وليس لهم إلا ما أنفقت عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هي بنيّ، أفلي أجر ما أنفقت عليهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنفقي عليهم، فإن لك أجر ما أنفقت عليهم.
 
واعتَّدت أم سلمة ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد تمنع منها احتراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصدّق قولها ودعا لها وتزوجها حتى مات عنها، وتوفيت أم سلمة رضي الله عنها سنة 59، وهي أكبر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخرهن وفاة.
 
ذكرنا أن ثمرة زواج أبي سلمة وأم سلمة أربعة أولاد هم سلمة وعمر وزينب ودرة، ولد سلمة في أرض الحبشة، وزوجه الرسول أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، وتوفيت قبل أن يدخل بها، وولد عمر في المدينة المنورة، ونشأ في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونال من توجيه الرسول الكريم ما رواه هو في الحديث الصحيح المشهور: كنت غلاما في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصَّحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك. فما زالت تلك طِعمتي بعد.
 
ويقول أغلب المؤرخين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وعمر ابن 9 سنين، ولكن الإمام الذهبي وهو الناقد البصير في الرواية والدراية، تعقب ذلك وبين أنه ولد قبل ذلك بكثير لأنه تزوج في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عمر القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد موقعة الجمل مع علي رضي الله عنه، بعثت به معه أمه، وقالت: قد دفعته إليك وهو أعز عليّ من نفسي، فليشهد مشاهدك حتى يقضي الله ما هو قاض، فلولا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لخرجتُ معك كما خرجت عائشة مع طلحة والزبير. واستعمله عليّ على البحرين، ثم عزله وولاه فارس، وتوفي عمر بن أبي سلمة بالمدينة سنة 83.
 
أما زينب فكان اسمها بَرة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، روى مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي بَرة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب. وأرضعتها أسماء بنت أبي بكر فكانت أخت عبد الله وعروة بني الزبير من الرضاعة.
 
ونشأت زينب في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يناديها زِناب، وكان لها طرائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أمها أم سلمة إذا دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغتسل تقول: ادخلي عليه. فإذا دخلت عليه نضح في وجها من الماء ويقول: ارجعي. وبقيت زينب رضي الله عنها وهي عجوز كبيرة لا يتبين عليها الكبر، ولم يزل وجهها طريا بمائه. وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة مرة، فجاء عمر بن أبي سلمة يمر بين يديه، فأشار إليه فرجع، فجاءت زينب بنت أبي سلمة، فأشار إليها فاستمرت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هنَّ أغلب.
 
وقد جعل رسول الله أم سلمة وابنتها زينب من آل البيت، فقد روت زينب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم سلمة، فدخل عليها بالحسن، والحسين، وفاطمة، فجعل الحسن من شق، والحسين من شق، وفاطمة في حجره، ثم قال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد. وأنا وأم سلمة جالستين، فبكت أم سلمة فنظر إليها، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله، خصصتَ هؤلاء وتركتني وابنتي، فقال: أنت وابنتك من أهل البيت.
 
وتزوج زينب ابن خالتها عبد الله بن زَمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزَّى، فولدت له، وكانت من أفقه نساء زمانها، وروت زينب عن أمها.
 
أما درة فلا نجد لها ذكراً في كتب السيرة والحديث والتاريخ إلا الحديث الصحيح المشهور الذي روته اختُها زينب عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، ويتعلق بإشاعة دارت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتزوج درة، قالت أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تُحدِّثَ أنك ناكح درة بنت أبي سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بنت أم سلمة؟ قالت أم حبيبة: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلى أم سلمة؟ لو أني لم أنكح أم سلمة ولم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي، إن أباها أخي من الرضاعة، أرضعتني أنا وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.
 
اللهم ارض عنهم واجمعنا مع نبيك سيدنا وسيدهم برحمتك يا أكرم الأكرمين.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين