فارس طيـــار آخــذ بعنــان فرســـه

 


بقلم / ماهر إبراهيم جعوان                                                                          يقول صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه ،مغبرة قدماه وإن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له ،وإن شفع لم يشفع) البخاري

فارس طيار آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ،هو نموذج لجندي منضبط داخل الصف منتظم، وفقاً للضوابط والأطر التنظيمية الواضحة والتي تربي عليها وفق منهج متكامل متوان شامل يعصم من الخلل أو الزلل أو الانحراف عن الغايات والأهداف المرسومة خطواتها  نموذج جهادي أصيل يسعي لإنجاح العمل والمحافظة علي التنظيم فلا يتفلت ولا يتأخر ولا يتكاسل ولا يسوف ولا يستقيل ولا يتراجع ولا يُعرض دعوته لعوامل انهيار البني التنظيمية من إشاعات أو تطلعات أو غيبه ونميمة أو جيوب أو احتراف للنقد أو انعدام للوعي السياسي أو عدم تقدير فقه الواقع أو اهتزاز الثقة بالقيادة أو محاولة اختصار الزمن

نموذج لجندي داخل الميدان لا يتقدم ولا يتأخر إلا وَفْق رؤية شرعية وواقعية وتنظيمية منضبط تربوياً ملتزم إدارياً مؤمن بمنهجه يثق في قيادته يقدم القدوة من نفسه لإخوانه متجانس معهم إلف مألوف                 لديه مقومات وضوابط العمل الجماعي المنظم الهادف الذي له قيادة ومنهاج ومعرفه بالأفراد والطاقات والإمكانات وذروة سنام الجندية القائمة علي السمع والطاعة المبصرة غير العمياء في المنشط والمكره لا ينظر إلى تقدم أو تأخر                                                                                                                                        عنده الحس والاستعداد الانضباطي والشورى الملزمة الحاسمة للنزاع والاختلاف، يصعد الأفكار والمقترحات والخلافات إلي قيادته ولا يتناجي بها ولا يفشي للقرين، لديه شبكة علاقات قوية ودوائر متعددة مع إخوانه كافة ، يهتم ببنائه التنظيمي من حيث الطاعة والأخوة والثقة ،عظيم الاحتمال في بنائه النفسي من حيث الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والتجرد والثبات

هو نموذج زاهد عابد قوي حارس أمين على المفاهيم والقيم  يُسخِّر كل ما لديه وكل ما يملك من إمكانات وطاقات وقدرات ومواهب لخدمة دينه لا لخدمة نفسه.

 يتصف بالإخلاص لله فهو الوجه والقصد وإليه المنتهى والمصير (عبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله) يقصد بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته وحُسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر لديه الاستطاعة والمقدرة فعنده الفرس - والفرسان يومئذ قليل –

ولديه الجاهزية وسرعة التلبية ( آخذ بعنان فرسه)  يشده إليه علي أهبة الاستعداد.

 متواضع ومن كثرة أعبائه كأنه لا يهتم بأموره الشخصية (أشعث رأسه ، مغبرة قدماه) لا يتميز على إخوانه ، مجتهد ومجدّ ،يمتثل قوله صلي الله عليه وسلم: (من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكا يوم القيامة) صحيح الجامع

 ويقول أيضاً : (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) البخاري

  يتسم بالفهم والثقة في القيادة :- ربما يكون في المقدمة لأن عنده المقومات (الإخلاص والفرس)

 وربما يكون في الحراسة .قال ابن الجوزي:(أي أنه خامل الذكر لا يقصد السمو) وربما يكون في الساقة فيه ترك حب الرياسة والشهرة لأن عنده المقومات (الإخلاص والجندية) يضع نفسه رهن إشارة قائده ووفق المصلحة العامة ،فهو راكب ومستعد وعلى أهبة الاستعداد وآخذٌ بعنان فرسه يشدّه إليه.

وبعد كل ذلك: إما أن يؤذن له وإما  لا ،إما أن يشفع لغيره وإما  لا، وإذا لم يؤذن له أو لم يشفع لا ينزل من على جواده ،تضبطه الجندية ويدفعه إخلاصه للاستمرار في الصف ، يوقن أن الله غايته يعلم علم القين على أي أرض يقف وفى أي مكان يتجه ،ومع من يعمل ويجاهد  يسبقه فهمه الشامل المتزن المتكامل لهذا الدين وعلم تام بالواقع الذي يحياه، فيقدم ما حقه التقديم من الكليات والأصول، ويؤخر ما حقه التأخير من الفرعيات والخلافات .                                                                                                                  

 لا يقع في خصومة أو بغضاء تأخره عن الهدف أو تحيد به عن الطريق، وذلك في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحق والحقيقة دون مراء أو تعصب ، مُرتبة أولوياته دون تقديم أو تأخير  .

فلا يصح  إلإ  الصحيح  فيكن دينه نصب عينه يحرسه ويحميه بكل غال وثمين في ليله ونهاره في غدوه وروحه.

يقول صلي الله عليه وسلم: (غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت) صحيح الجامع

و قوله صلي الله عليه وسلم (الروحة و الغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا و ما فيها) صحيح الجامع      وفى رواية  أخرى قال صلي الله عليه وسلم:( من خير معاش الناس لهم رجل يمسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي القتل أو الموت مظانه ) مسلم 

فارس طيار مستدعى دائماً (تجده في وقت الشدة كما في وقت الرخاء تجده في مواطن الطاعة المختلفة في المحاضن التربوية وفي قضاء حوائج الناس وفي الانتخابات والتحرير والاتحادية والمقطم كما تجده في اللقاء الرياضي ومحراب الصلاة....)

كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها طيراً وذلك لإدراكه طبيعة المرحلة التي تمر الأمة بها واستشعاره أهمية العمل والأخطار الداخلية والخارجية التي تحيط بنا .                                                         

  يغلب علي ظنه الموت والاستشهاد وهو في مهمته لا نعلم أيطلبه الموت أم يطلب هو الموت ؟ هذه صفات رجل عملاق ،وجندي عظيم، وفارس نبيل، وطيار أمين، جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة ،رجل قول وعمل  جندي في ميدان الجهاد الحق هو طيار في سبيل الله لا يتأخر يعلم أن التكليف مغنم لا مغرم فيطير إليه طيراً لا ينتظر التكليف وإنما يطلبه ويتمناه ويرجوه ويُسرع إليه ولا يفر منه ولا يكسل عنه يضبط إخوانه حركته ليهذبوا حماسته، ولا يريد من يدفعه إلى العمل دفعاً أو من يلح عليه إلحاحاً . فلا يتسلل لواذاً ولا يختفي ولا يتأخر ولا يفر من مغرم ولا يسرع لمغنم . يتصف بقول الإمام البنا (أستطيع أن أتصور المجاهد شخصاً قد أعد عدته، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه  نواحي نفسه وجوانب قلبه ،فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدر الاستعداد أبدا إن دعي أجاب، وإن نودي لبى ،غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له  ،ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته  يجاهد في سبيلها تقرأ  في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع في فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوىَ لاصق وألم دفين وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة) بذلك يستعملنا الله ولا يستبدلنا لتمضي سنن الله الغلابة فيمهد لدينه ويغرس لدعوته وينصر أولياءه يقول النبي الكريم (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة) صحيح الجامع  غرس يختارهم الله على عينه ليكونوا سبباً لإعلاء الحق والحقيقة يقذف بهم ليُجري بهم أقداره تعالى، منتظرين إحدى الحُسنَيين إما النصر وإما الشهادة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين