يوم المرأة العالمي وحرائر سورية

 

 

 

 

بقلم صلاح الدين محمد سلو
 
 

نذكر الطبيبة الميدانية الأولى الصحابية رفيدة الأسلمية رضي الله عنها .
نذكر حرائر سورية ..
في المشافي الميدانية ....
في مخيمات اللجوء ..
في ربوع الوطن...
 في مواطن الغربة والمهجر ...
الأم والزوجة والأخت والبنت لكل دور كبير يقمن به مع الصبر والشجاعة ...
معلمات وممرضات وموجهات ..ناشطات ومسعفات ومنسقات ...
    اليوم الدولي للمرأة أو اليوم العالمي للمرأة هو اليوم الثامن من شهر مارس / آذار من كل عام، وفيه يحتفل عالميًا بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء
    واليوم وبعد سنتين من بدء الثورة السورية، تخوضُ المرأةُ المسلمةُ في سوريَّة، معركةَ العزةِ والإباء، وتسجنُ وتعذَّب، وتُضربُ في الله وتُهان، ويُمزَّق حجابُها، وتنتهكُ حرِّيتُها وكرامتُها، على مرأى من النَّاس ومَسْمَع، فما يزيدُها إلا إيماناً وجهاداً، إنَّها حفيدةُ أسماء، ووريثةُ رفيدة وصفية والخنساء.
   نعم إنَّها حفيدة أسماء، وأسماءُ قدوتُها في الصُّمود والثَّبات، وهي وارثة شجاعة نسيبة بنت كعب، ومعلمة صبر واحتساب تماضر الخنساء، إنهن حرائر بانياس، وميدان دمشق، وباب سباع حمص، وصلاح الدين حلب، ومسيفرة درعا، وقويرية دير الزور...
 
     وهل أتاكم خبر خنساء قرية سرجة من ريف إدلب؟ سمَّوها: خنساءُ الثَّورة السُّورية، لأنَّها قدَّمت عدَّة شهداء من أبنائها وهي صابرة وصامدة، في وجه طاغوت الشَّام، الدكتاتور الجزَّار، الذي ورث القتل والظلم والفساد، وبمجرد قيام أحدنا بالبحث عن خنساء الثَّورة، فإنه سيجد نفسه أمام خنساوات عدَّة، شابهن الخنساء، وأسماء، ونسيبة، وصفية رضي الله عنه جميعاً، وأمَّة الإسلام ولودة، لا تعدم من الشُّجعان والشُّجاعات، وهم يولدون وسط النَّازلة والمدلهمة، كنَّا نقرأ أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في فضل الشَّام وأهله، وننظر لواقع الشَّام وأهله قبل الثَّورة، فيشعر بعضنا بالضِّيق والحرج من واقعه المؤلم، ولكن!! ها هي الثَّورة قد أَجْلَتْ عن معادن رجال الشَّام وحرائره، فزدنا يقيناً بأنَّ أهل الشَّام هم قادة الأمَّة، وهم الطَّائفة القائمة بأمر الله، وهم الطَّائفة المنصورة الظَّاهرة بالحقِّ إلى قيام السَّاعة..
     وإن حرائر بلدنا الحبيب ليسوا بأقل من رجالها في الكرامة والعزة والشجاعة، بل إن المتتبع لأحداث الثورة السورية ليجد العجائب من أحوال حرائر سورية، فأم تدفع بأولادها الواحد تلو الآخر ولا ينثني لها عزم حتى عندما يأتي خبر استشهاد السابق، بل يزيدها ذلك مضياً في الطريق الذي بدأته ونشأت عليه، وإن حاول النظام الفاسد تغييبه عبر عقود مضت، لكن الشمس لا تحجب بالغربال .  
    وما أجمل أن نذكر دائماً أحوال أهل القرن الفاضل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء، لنعلم أن حرائر بلادنا في مسيرة سلفنا ماضون، وها نحن الآن نذكر شيئاً من سيرة صحابية كريمةكان لها دور رائع في المجتمع الإسلامي، لا يقل عن إنجازات إخوانها من الرجال ! 
 
رُفَيْدَةُ بنت سعد الأنصارية رضي الله عنها
صاحبة الخيمة الطبية الأولى في التاريخ

   الطبيبة رُفيدة من كريمات النساء، من الصحابيات الفاضلات، بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، واشتركت في غزوتَيْ الخندق وخَيْبر، وكانت رضي الله عنها قارئة، كاتبة، وصاحبة ثروة واسعة، حيث كانت تنفق على عملها هذا من حُرِّ مالها، وخالص ثروتها، متطوعة بالجهد والمال في سبيل الله.
سماها ابن سعد كعيبة فقال كعيبة بنت سعد الأسلمية بايعت بعد الهجرة وهي التي كانت تكون لها خيمة بالمسجد تداوي الجرحى وكان سعد بن معاذ عندها تداوي جرحه حتى مات وقد شهدت كعيبة هدم يوم خيبر.
    استهوتها حِرْفة التمريض، ومهنة التطبيب والمداواة، وتفوّقت في ذلك حتى اشتهر عنها، وعُرفت بين الناس قاطبة.

رُفيدة في خيمة الخير

    ظهرت خيمة رفيدة بَدْءًا من يوم أُحُد، عندما كانت تستضيف الجرحى، تضمِّد جراحاتهم، وتُسعفهم، وتسهر على راحتهم، وتواسيهم.
وكانت رضي الله عنها تخرج في الغزوات، وتنقل معها خيمتها بكل متطلباتها وأدواتها واحتياجاتها فوق ظهور الإبل، ثم تُقيمها بإزاء معسكر المسلمين، تشاركها العمل الصحابيات رضوان الله عليهن؛ لذا تعتبر خيمة رفيدة الأسلمية على الرغم من بدائيتها أول مستشفى ميداني.
مستشفى رُفيدة كما تواتر أنه أقيم لها خيمة خاصة وبارزة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كمستشفى لعلاج المرضى والمصابين بجروح، وقد كونت فريقًا من الممرضات حيث قسمتهن إلى مجموعات لرعاية المرضى ليلاً ونهارًا.
     ولم يكن عمل رفيدة مقتصرًا على الغزوات فقط، بل عَمِلت أيضًا في وقت السِّلم تُعاون وتُواسي كل محتاج؛ وكانت أول سيدة تعمل في نظام أشبه ما يكون بنظام المستشفيات في وقتنا.
أما كونها أول ممرضة في الإسلام فليس في ذلك خلاف، فقد ذاع صيتها بين معاصريها في فن الجراحة، لهذا السبب اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم لعلاج سعد بن معاذ رضي الله عنه.
كانت تُداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كان به جرح أو مرض من المسلمين.

طبيبة سعد بن معاذ
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق بسهم أطلقه أبو أسامة الجشمي حليف «بني مخزوم»، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم رفيدة أن تقيم خيمة في المسجد ليعوده من قريب.
وقد ورد في الإصابة أن ابن إسحاق ذكر رفيدة الأنصارية أو الأسلمية في قصة سعد بن معاذ لما أصابه بالخندق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب.

    وفي سير أعلام النبلاء ورد أنه: لَمَّا أُصِيْبَ أَكْحَلُ سَعْدٍ، فَثَقُلَ، حَوَّلُوْهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، تُدَاوِي الجَرْحَى. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُوْلُ: (كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وَكَيْفَ أَصْبَحْتَ؟) فَيُخْبِرُهُ، حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَقَلَهُ قَوْمُهُ فِيْهَا، وَثَقُلَ، فَاحْتَمَلُوْهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، إِلَى مَنَازِلِهِم.
وقال البخاري في الأدب المفرد: عن محمود بن لبيد قال: ولما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فقيل حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة، وكانت تداوي الجرحى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول كيف أمسيت وإذا أصبح قال كيف أصبحت فيخبره.

تكريم رُفيدة
وتقديرًا من النبي صلى الله عليه وسلم، كان يُعطي رفيدة حصة مقاتل، فقد ذكر أبو عمر عن الواقدي أنها شهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لها سهم رجل .
   رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء، وجعلنا من أتباعهم، نسير على سننهم، ونهتدي بهديهم، ونقتفي أثرهم، اللهم اجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، فرّج اللهم عن أهلنا في سورية عاجلاً غير آجل، ارحم نساءنا، والطف بأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، وجميع المسلمين إنك أرحم الراحمين.
الدوحة
26 – ربيع الآخر – 1434هـ
8 – 3 – 2013 م


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين