مع مدلولات معاني الاستغفار والتوبة في اقترانهما وافتراقهما

 بقلم / خلدون عبد العزيز مخلوطة
يظن البعض للوهلة الأولى أن هناك تكرار في بعض الألفاظ القرآنية التي في ظاهرها متقاربة في معانيها ، ولكن عند الغوص في حقائقها، وتحليل أبعادها مراميها،  نجد أن كل لفظ يؤدي معنى رائقا، وله دور محدد ينفي ما يسبق إلى الذهن أنه مجرد تأكيد ، أو زيادة إيضاح وبيان.  
كثيرا ما تأتي التوبة مقرونة بالاستغفار في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) [هود: 3] ، وقوله : (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا) [هود: 52] ، وقوله: (فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) [هود: 61] وقوله: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود) [هود: 90]، ومنها قوله : (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم) [هود: 74]،   وكذلك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله : (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) رواه البخاري  .
وأحيانا يأتي كل واحد منهما منفرداً عن الآخر مثل قوله تعالى ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا) ، وقوله: (لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون) [النمل: 46] ، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) [التحريم: 8] ، وقوله : (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) ) [النور: 31]  ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه، وقوله : : (مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ الله لَهُ مِنْ كُل ضِيق مَخْرَجًا ، وَمِنْ كل هَمٍ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْث لا يَحْتسِب ) رواه أحمد وأبو داود .
 وقبل الخوض في بيان المقصود بالاستغفار والتوبة مقترنين ومنفردين لابد من تحديد المراد بكل منهما:
1-  الاستغفار: هو التغطية والستر، وهو طلب تغطية الذنب وستره بالعفو عنه.
2-    أما التوبة: فهي الرجوع عن الذنب إلى الطاعة، وترك المعصية في الحال، والندم بالقلب، والعزم على عدم العود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياء من الله.
ونستطيع القول أن الاستغفار والتوبة بينهما عموم وخصوص ، إذا اجتمعا افترقا ،  وإذا افترقا اجتمعا ، مثل كلمتي: الإسلام والإيمان، وهذا يتضح بما يأتي: أن الاستغفار إذا أطلق بمفرده فيشمل معنى التوبة ، وكذلك التوبة إذا أطلقت بمفردها فتشمل معنى الاستغفار، فالاستغفار المفرد كالتوبة ، بل هو التوبة بعينها ، في تضمنه طلب المغفرة من الله ، والستر ومحو الذنب، مع الإقلاع عنه والعدول إلى الطاعة.
وعندما يقترن أحدهما بالآخر فيصبح لكل واحد منهما معنى يؤدي دورا وظيفة مستقلة عن الآخر، فيكون معنى الاستغفار: الدعاء والطلب من الله تعالى أن يقي المستغفر شر ما مضى من سيء عمله، أما التوبة: فتعني الرجوع والالتجاء إلى الله أن يقي التائب من شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله ، وكلاهما مطلوبان: فالآيات الكريمة التي جمعت بين الاستغفار والتوبة تربي المؤمن تربية إيمانية بديعة تضمن لمن تحقق بمضامينها تطهيرا عن ذنوب سابقات ، ووقاية عن زلات قادمات ، وحفظا من شرور سيئات مستقبلات.
 ويشبه العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين، المذنب المستغفر التائب: بذاك الراكب الذي سار في طريق فتبيَّنت له المخاطر والمخاوف ، فأيقن الهلاك، وأنه باستمراره فيه لن يصل إلى بغيته ومقصوده ، فقرر أن يتركها ويوليها ظهره، ويرجع إلى طريق آمنة اتضحت له فيها معالم النجاة والأمان، توصله لمقصوده ، وتكون فيها سلامته وفلاحه، فمفارقته طريق الهلاك إشارة إلى الاستغفار من خطأ مضى فيه ، وأدرك خطر جنايته فاستغاث بربه ، ورجوعه إلى طريق الأمان والسلامة إشارة إلى التوبة التي تحثه على انتقاله من المعصية إلى الطاعة، راجيا ربه أن يثبته على طريق الهداية والاستقامة.  
 
ومن هنا ندرك سر الأمر من الله بالتوبة والاستغفار مرتبا أحدهما بعد الآخر في قوله تعالى (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) فبالاستغفار مفارقة الباطل، وبالتوبة رجوع إلى طريق الحق.
وحكمة أخرى فإن االاستغفار من باب إزالة الضرر ، والتوبة طلب جلب المنفعة، فالمغفرة أن يقيه شر الذنب ، والتوبة أن يحصل له بعد هذه الوقاية ما يحبه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين