المثقف المستنير


بقلم / ماهر إبراهيم جعوان 
كتب د/عبد الكريم بكّار في كتابه "تكوين المفكّر"                                             - :(المثقف الحقيقي هو صاحب دور نضالي إلى جانب امتلاك روح التضحيّة بالكثير من مصالحه من أجل الجهر بآرائه وأفكاره وملاحظاته أما المثقف الوهمي هو الذي يجنح في خطابه إلى التبرير والتخدير والتزييف( ويقول نعوم تشومسكي (المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوّة(
فالمثقف المستنير تنطلق ثقافته من واقع بيئته فيعالج الأخطاء بثقافته فلا ينفصل عن واقع الناس ومشكلاتهم   يحافظ علي ثوابت بيئته ويعايشها وينطلق بها من حال إلي حال وموقع إلي موقع حتى ينهض المجتمع ويتقدم ويصل إلي مكانته المرجوة فلا يكسر القواعد ولا القيم ولا المبادئ ولا الثوابت التي تؤمن بها الجماهير     يشاركهم أحلامهم وآمالهم وآلامهم ويسعي في قضاء حوائجهم  إلهامه الفكري لهم لا عليهم حتى لا يكون مادة للسخرية والاستهزاء  لا يجلس في المكتب وتحت المكيف ثم يعلن أرائه واجتهاداته التي تظهر عوار يراه الجميع إلا هو                 فلا يعترف بخطأ ولا يراجع نفسه فكرياً أو تربوياً أو اجتماعياً أو سياسياً فلا يؤثر حتى في نفسه فلا هو يتقدم ولا ينجز ولا يُحبُ ولا يحب ولا هو إلف مألوف  فيكتسب عداوات واتهامات كل يوم ، يتمني الناس أن يستريحوا منه ومن ثقافته المعوجة  فالثقافة حركة وعمل كما هي فكر وعقل يقول شيخ الإسلام بن تيميه رحمة الله (العلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر)  وسئل أحمد بن عطاء عن قول النبي صلي الله عليه وسلم ( طلب العلم فريضة علي كل مسلم )  فقال :(علم الحال وعلم الوقت وعلم السر فمن جهل وقته وما عليه فقد جهل العلم الذي أمر به)
فالمتحرك النشيط الفعال المتعاون الباذل المعطاء هو المثقف السائر علي بصيرة في طريق مستقيم هو صاحب الضمير اليقظ يحمي نفسه والآخرين من الوقوع في الخطأ (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )
 
المثقف يحمل مشروعاً عاماً للجميع وليس مشروعاً شخصياً وإلا يكون نفعياً أنانياً ذاتياً  تكبر الأنا لديه يعامل الناس من برج عاجي عال  فتنفصل أطروحاته عن واقعه ولا تظهر له بصمه ولا تأثير
وبعض أصحاب الرأي لم ينالوا حظاً وافراً من التعليم ولم يتميزوا قط ويتهربوا من هذا بالآراء الشاذة ذات الشو الإعلامي وتثير الخلاف واللغط وتروج الشبهات والشهوات ولو كانت علي حساب الوطن فيتهربون من مشاكلهم النفسية والعاطفية والوجدانية والفكرية ليواروا سقطاتهم الواضحة من تناقض وتذبذب وتردد ومعاناة في التواصل والاندماج مع الآخر  (وأنا أأمن أن المثقف لا يلزمه بالضرورة تعليم عال فكم من علماء تخرجوا بلا مدارس ولكن إذا اجتمعت سطحية الفكر مع ضحالة العلم فلك أن تتخيل عن أي صنف نتحدث)
 
 
وأخيرا أتمني لبعض المثقفين أن يمتهنوا وظيفة أخرى كما يقول الصحفي الايطالي انطونيو غرامشي في (دفاتر السجن): (كل الناس مثقفون و هكذا فان باستطاعة المرء أن يقول..و لكن ليس لكل إنسان وظيفة المثقف في المجتمع)   وكما يقول الشهيد سيد قطب ( من الناس من يكون مجلداً يناقش ويناظر وربما يفحم من أمامه ولكن في الصدر منه شئ فذاك الفرق بين التقي وغير التقي) ويقول أحمد بن حنبل رحمه الله وكأنه يخاطب البعيدين عن الفكر المستنير( إذا كــــــــــــان هـــــــــــــذا هــــــــــــو عقلـــــــك فقـــــــــــد استرحـــــــــــــت )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين