النصارى يتوحدون والإسلاميون يتفرقون!!


د. وصفي عاشور أبو زيد
 
شهدت الأيام الماضية وتحديدا يوم الاثنين، 18 فبراير 2013م، اتفاق تأسيس مجلس كنائس مصر ونظامه الأساسي في المقر البابوي بالعباسية، بحضور رؤساء الكنائس الأعضاء في المجلس، البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والبطريرك إبراهيم إسحق بطريرك الأقباط الكاثوليك، والقس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية، والبطريرك ثيئودوروس الثاني بطريرك الروم الأرثوذكس بمصر وأفريقيا والمطران منير حنا رئيس الكنيسة الأسقفية بمصر والقرن الإفريقي.
 
ويمثل الكنيسة الأرثوذكسية الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ، والقس بيشوى كاهن كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، والقس باسليوس كاهن كنيسة العذراء بالزيتون، وجرجس صالح أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط سابقا، فيما تمثل كل كنيسة برئيسها وأربعة أعضاء.
 
وتضم لائحة مجلس كنائس مصر عددا من النقاط أهمها أن الكنائس الخمس تتساوى أصواتها في المجلس، وأن الأمانة العامة للمجلس تقوم بشكل دوري بين الكنائس كل ثلاث سنوات يترأسها كنيسة، وأن أهداف المجلس هي التنسيق بين كنائس مصر في القضايا المشتركة، وتفعيل الحوار المسيحي الإسلامي، وتعميق فكر الوحدة المسيحية.
 
ومما لا شك فيه أن من القضايا المشتركة قضايا سياسية في المواسم الانتخابية والاستحقاقات السياسية كي يكونوا صفا واحدا برأي واحد وموحد تجاه أي قضية.
 
فعلوا هذا رغم الخلاف المصيري والعقائدي بينهم، فكل ملة من الثلاثة لا تعترف بالأخرى عقديًّا، ومع هذا تجمعوا للتنسيق وتوحيد الرؤى في "القضايا المشتركة"، و"تعميق فكر الوحدة المسيحية".
 
أما المسلمون بل الإسلاميون فيتسلل النزاع بينهم بين الحين والآخر، وضعف التفاهم في القضايا المشتركة، بل يصل الحد أحيانا إلى التخوين والتنقيب في النوايا والاتهامات وإثارة الشائعات بلا أي دليل، ودون أدنى توثيق.
 
فعلوا هذا وهم أبناء دين واحد، وعقيدتهم واحدة، وكتابهم واحد، وأصولهم لا يختلفون فيها، ومصيرهم مشترك، وهمومهم واحدة، إن لم تكن فيما بينهم ففيما بينهم وبين غيرهم.
 
وسعى كل فريق أن يخوض انتخابات مجلس النواب القادمة وحدة دون تنسيق أو تحالف، فالكل يريد أن يحوز الأغلبية دون شريك، والكل يسعى للانعزال وحده والانفراد، ولعل هذا يصب في مصلحة الآخرين في النهاية.
 
رغم أنه لا يوجد دين أمر بالوحدة وبين أسبابها، ونهى عن الفرقة وحذر من الانخراط في طرقها، وبين آليات الوحدة وطرق الوصول إليها عند وقوع الخلاف، قال تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ". الأنبياء: 92. وقال أيضا: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين". الأنفال: 46. وقال سبحانه: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم". النساء 83. وقال كذلك: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ". الشورى: 10.
وما رواه الترمذي والسيوطي بسندهما عن عمر بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا ، كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم".
 
إنني أدعو الجماعات الإسلامية والأحزاب الإسلامية أن تتلاقى، وتتفاهم في القضايا المشتركة، وأن يقدموا المصالح العليا على المصالح الذاتية والحزبية، وأن يتركوا الخلاف والنزاع؛ لأنه قرين الفشل، ومؤذن بذهاب الريح، فإننا أولى بالوحدة من غيرنا، وأولى بأن نمد أيدينا إلى غيرنا للتفاهم والتعاون لما فيه صالح البلاد والعباد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين