كيف صاغ النبي صلى الله عليه وسلم الشباب 2 - عبد الله بن عباس وابن عمر
نتابع في هذه الحلقة نماذج من شباب الصحابة الذين رباهم النبي ^ على عينيه وصاغهم صياغة فريدة فكانوا الجيل القرآني الفريد .
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
وننتقل إلى أنموذج آخر من الشباب، لنرى كيف صاغهم رسول الله r ، فنقف مع ابن عباس t.
يَلْمَحُ رسول الله r في ابن عباس ذكاءً وتوقداً ونباهة، فلقد حدث ابن عباس عن نفسه فقال: همَّ رسول الله r بالوضوء فما أسرعَ أن أعددتُ له الماء، فسُرَّ بما صنعتُ، ولما همَّ بالصلاة أشار إليَّ أن أقف بإزائه فوقفت خلفَه، فلما انتهت الصلاةُ قال: ما منعك أن تكون بإزائي، فقلت: أنتَ أجلُّ في عيني وأعزُّ من أن أوازيَكَ يا رسول الله r ، وهنا يدعو له رسول الله r: اللهم آته الحكمة([1])، وفي رواية قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل([2]).
وهذا منهج ثابت لرسول الله r أن ينفح هؤلاء الشباب من بركات دعائه ما يفيض الله به عليهم هداية ورحمة وعطاءً.
 ونحن أحوج ما نكون لذلك في تعاملنا مع شبابنا، إن أصابوا أثنينا عليهم وشحذنا عزائمهم وباركنا صنيعهم، وإن قصروا سددناهم ووجهناهم، وكان الدعاء لهم وسيلة من وسائل الخير الذي نرجوه عند الله لهم صلاحاً لقلوبهم.
وكان رسول الله r لا يفوت فرصة أو مناسبة يوجه فيها الشباب بشكل خاص إلا وفعل، فهو يُردِفُ ابن عباس الفتى خلْفَه ثم يقول له:
يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجَفَّتِ الصحف([3]).
فماذا نلاحظ ؟
إضافة إلى اغتنام المناسبة للتعليم؛ نتسائل ما هو الذي كان يحرص رسول الله r أن يوصله إلى الشباب وأن يصوغهم من خلاله، موجهاً لنا كيف نتعامل مع هؤلاء الشباب.
لقد كان حريصاً ـ كما نلاحظ ـ على غرس الإيمان بالله والتسليم لأمره، وربط القلب به سبحانه مبيناً آثار ذلك في حياة المرء، وأن لا يتوكل الإنسان إلا على الله تعالى، وعندئذ لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يطلب ولا يلجأ ولا يستعين ولا يستغيث إلا بالله، ولا يخاف إلا منه، ولا يرجو أحداً سواه.
ترى عندما نصوغ شخصية شبابنا على هذه المعاني؛ فهل فاتهم شيء من الخير ؟
ألا ترى أن هذه المعانيَ مفاتيحُ لكل أمل وعملِ خيرٍ، وصيانةٌ لهم.
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
وعلى نحو هذا المنهج كان موقف رسول الله r مع ابن عمر، إذ يقول ابن عمر: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: « كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل »([4]).
هذا المنهج النبوي الذي يزرع في القلب التطلع إلى الآخرة، ومن تطلع إلى الآخرة استعد لها، ومن استعد لها استقامتْ سيرته وحسنت سريرته، وكان r يقول: اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك([5]).
وكان ابن عمر على أثر هذه التربية يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك([6]).
فهذه معالم أخرى من معالم هديه r في صياغة الشباب.
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:
ونجد معلماً آخر في موقفه من عبد الله بن عمرو إذ قال له: « يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقومُ من الليل، فترك قيامَ الليل »([7]).
ومع ذلك فنجد من معالم تربيته وهديه r أن يحدثَ ذلك التوازن في قلب الشاب بين الإقبال على العبادة كمعلم من معالم الهداية للشباب، وبين إعطاء كل ذي حق حقه من الواجبات، مع عدم تحميل الإنسانِ نفسَه فوق طاقتها مهما كان ذا همة، وهذا ما يحدثنا عنه عبد الله بن عمرو، ومما ورد عنه في ذلك قوله r له: ألم أُخبرْ أنك تصوم النهارَ وتقومُ الليلَ، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعلْ، صم وأفطر، ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورِك عليك حقاً، وإنْ بحسبك أن تصومَ في كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشْرَ أمثالها، فإن ذلك صيامُ الدهر، قال عبد الله بن عمرو: فشددت فشدِّد علي، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، فقال: صم صيام داود ولا تزد عليه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فكان عبد الله بن عمرو بعدما كَبِر يقول: يا ليتني قبلت رُخصة رسول الله r ([8]).
وإلى نماذج أخرى من تلك النماذج التي رباها النبي ^ وفيها لمحات من سيرة طلحة بن عبيد الله ومعاذ بن جبل  رضي الله عنهم أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) أخرجه الأصبهاني في حلية الأولياء ج 1 ، ص 315 .

([2]) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين رقم6280 وصححه، وأخرج منه البخاري رقم 143 قوله: « اللهم فقهه في الدين » .
([3]) أخرجه الترمذي رقم 2516 وقال: هذا حديث حسن صحيح.
([4]) أخرجه البخاري رقم 6053 .
([5]) أخرجه الحاكم في المستدرك رقم 7846 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
([6]) أخرجه البخاري رقم 6053 .
([7]) أخرجه البخاري رقم 1101 ومسلم رقم 1159 .
([8]) أخرجه البخاري رقم 1874 .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين