المتلونون

 

بقلم / ماهر إبراهيم جعوان
 
أصحاب الدعوات لا يتلونون لأن زعيمهم وقدوتهم وقائدهم محمد صلي الله عليه وسلم ما تلون ولا تشكل ولا داهن في يوم من الأيام حتى في أحلك المواقف والأزمات (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ) فمنذ بداية الدعوة والطريق واضحة كل الوضوح (حوار ومشاركة وتواصل مع المجتمع وعدل وإنصاف  وصدق وأمانة وبر الأرحام والتخفيف عن الضعفاء والرفق بالمدعوين والإحسان إليهم والشفقة بهم والنصح والإرشاد بعيدا عن تجريح الهيئات والأشخاص ) حتى قال الله تعالي لنبيه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) ومع ذلك تنكروا له عليه السلام عندما اصطدم الحق بمصالحهم وأموالهم وتجارتهم وزعاماتهم ومكانتهم فهذا هو الصادق الأمين الذي لو أخبرهم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليهم فأجابوا ما جربنا عليك إلا صدقاً يتحول في لحظة واحدة وفي نفس الوقت ومن كل الفرقاء والاتجاهات المعارضة إلي تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى الذي يحكم ويعدل في وضع الحجر الأسود وينهي الخلافات والمشاحنات ويقرب وجهات النظر وينزع فتيل الأزمات ولا يحابي قبيلته ويخرج بالمشكلة إلي بر الأمان بعد أن كادوا يقتتلون هو هو الذي قالوا عنه كاهن ومجنون وشاعر وساحر فقال الوليد بن المغيرة عن قوله (والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين من هذا بشئ إلا عرف أنه باطل) ومع ذلك يكمل ويقول في نفس الموقف (قولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته ).
 
 
بالله عليكم أليس هذا مثل ما يحدث الآن (وأنا لا أشبه أصحاب الدعوات بالأنبياء ولا أشبه المعارضين بالكفار، ولكني أتحدث بالحوار والمنطق والعقل وتشابه الأحداث وتكرار عناد الرجال ومواقفهم وأساليبهم في مواجهة أصحاب الدعوات)
 
  يتهم البعض أصحاب الدعوات بالتلون وتغير المواقف و الكذب والانشغال بالعمل السياسي علي حساب الدعوة واستغلال الدين والاستبداد الديني والحرص علي المناصب والتكويش علي كل شئ....  في حين أن الواقع والتاريخ يشهد علي عكس ذلك تماما وعلي المجتمع أن يشهد من الذي يتحالف مع أصحاب الدعوات حتى يحصل علي ما يريد ثم يتركهم ، من الذي يمدحهم لغرض وغاية ثم يذمهم  من الذي يصدقهم حتى ينجح في هدفه ثم يكذبهم ، من الذي يسير معهم لحين الوصول إلي المكاسب والمغانم ثم يفترق عنهم ، من الذي يطمع فيهم فإذا خالفوه فَجَرَ في الخصومة 
 
من الذي يريد عونهم ومددهم وخبراتهم وجهدهم وإمكاناتهم فإذا ما رفضوا نكث علي عقبه وقد رفض النبي صلي الله عليه وسلم التحالف والدعم والحماية والمنعة من بني عامر بن صعصعة حين قالوا أيكون لنا الأمر من بعدك فقال عليه السلام (الأمر إلي الله يضعه حيث يشاء) فهل يُعدُ ذلك تلوناً ؟
 
 المتلونون هم الذين يتغيرون ويتلونون من أجل مصالحهم الذاتية الشخصية وفي سبيل ذلك علي استعداد أن يتعاونوا مع الشيطان نفسه للوصول إلي شهواتهم ورغباتهم في حين أن أصحاب الدعوات واضحة خطاهم يحاولون سد الثغرات وتأليف القلوب وتقديم المصلحة العامة علي الخاصة حبا للوطن و فداءا له والمحافظة عليه من عبث العابثين، يمدون أيديهم للجميع للحوار والتنسيق والتحالف والتعاون والعمل والبناء
 
 
فلماذا يكثر العداء إذاً باختصار يكثر عندما تتعارض المصالح والمكاسب والمنافع والأرباح والزعامات فلم يتعرض النبي صلي الله عليه وسلم والصحب الكرام إلي أذي إلا في منتصف العام الرابع من البعثة حين صدعوا بالدعوة وأهدافها وغايتها وطموحاتها فبدأت تكتسب العداوات وتتكتل ضدها الأحزاب من كل حدب وصب عندما علموا حقيقتها بمحاربة الجهل والشرك والموبقات وتدعوا لمكارم الأخلاق وتساوي بين الحر والعبد والغني والفقير فهُددت مصالحهم الاقتصادية والدينية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية فكان العداء الشامل
فالقضية عندهم مصالحهم وأنفسهم ومكاسبهم وشهواتهم أولا وقبل كل شئ فعندما طلب النبي من أبي جهل أن يتلفظ بكلمة واحدة فقال له عشر كلمات فقال النبي لا إله إلا الله فقال أبو جهل إلا هذه لأنها تصطدم بأفكارهم ومبادئهم وتاريخهم وشهواتهم وأطماعهم ومكاسبهم وأصنامهم وزعاماتهم.
 
 

بينما القضية الحقيقية هي كيف ومتى ومن يمكن لهذا الدين ليحكم بمنهج السماء وتسعد البشرية كلها في ظل الإسلام الحنيف لترفرف راية محمد صلي الله عليه وسلم علي ربوع الدنيا بعز عزيز أو بذل ذليل  ويسألونك متى هو قل عسي أن يكون قريبا.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين