مفارقات بين الطيبات والخبيثات في الأقوال والأفعال

أ.د. صلاح الدين سلطان

 

الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية

جوهر الإسلام هو صناعة الطيبات في الأٌقوال والأفعال، وقد وردت في القرآن مادة "طيب" ومشتقاتها 46 مرة،  ومنهج الباطل هو تبني الخبيثات في الأقوال والأفعال وقد ورد ذم الخبيث بمشتقاته في القرآن 15 مرة، ونجد هذه الطيبات تتخلل كل مناهج الحياة في الإسلام سواء كان قولا أو فعلا، في الرضا والغضب، والعسر واليسر، والفقر والغنى، والصحة والمرض، والسفر والحضر، والصغر والكبر، فإذا تكلم المسلم فمنهاجه: (وهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) (الحج: من الآية24)، ويُتبع الكلمات الطيبات بالأفعال الصالحات كما قال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: من الآية10)، وإذا تيمم المسلم عمد إلى الصعيد الطيب لقوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) (النساء: من الآية43)، وإذا أكل فلا يجوز أن يذهب إلى الخبيثات من المطعومات، بل يبحث عن أحسن الطيبات لقوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف: من الآية 157)، حتى لو كان الإنسان في ظرف صعب مثل أصحاب الكهف حيث طلبوا أطيب الطعام كما قال تعالى على لسانه: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) (الكهف: من الآية19)، فإذا أراد أن يتزوج بحث الرجل عن زوجة بين النساء الطيبات، وبحثت البنت عن الطيبين من الرجال، مبتعدين عن الخبيثين والخبيثات، لقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) (النور: من الآية26)، فإذا بحث عن مسكن لزوجته ثم لأولاده سيبحث عن مساكن طيبة، في بلدة طيبة، كما قال تعالى: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (سبأ: من الآية15)، فإذا رفع يديه إلى السماء سائلا الله البنين والبنات فالأصل أن يكون ذلك مشفوعا بطلب الطيبين والطيبات، لقوله تعالى: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) (آل عمران: من الآية38)،  ولا ينشد المسلم شيئا في حياته ويقلب وجهه في السماء داعيا ربه مثل أن يعيش حياة طيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)،  وإذا ألقى الإنسان السلام فإنما لنشر الطيب والخير والسلم في كل مكان لقوله تعالى: (فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) (النور: من الآية 61)، وإذا أنفق عمد إلى الطيب من المال، وتنحى عن الخبيث لقوله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ )(البقرة: من الآية 267)، أما المناهج الأرضية فتعمد إلى الخبيث ويتجمع ويتزاوج كما أخبرنا الله تعالى عنهم: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) (النور: من الآية26)، ثم يتكاثر فإذا أخذت الكثرة بقلوب الطيبين انتشلهم الله تبارك وتعالى من هذه الدهشة، كما قال سبحانه: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) (المائدة: من الآية 100)، وأن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يهلك الخبيثين والخبيثات جمعهم رغم شتات الأهواء والأفكار والأيديوليجيات ليكون مآلهم جميعا الهلاك والبوار، بل إنهم يبالغون في جمع المال بينهم ورصده في مواجهة الطيبين والطيبات، من الرجال والنساء، والأقوال والأفعال، كما قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال: 36-37)، ويستمر وعد الله للطيبين بالنجاة والنصر والتمكين من كيد الخبيثات والخبيثين، كما قال تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) (الأنبياء: من الآية 74).
 
وإنني هنا أرفع صوتي صارخا في قومي من المصريين والعرب والمسلمين والمسيحيين الذين يشاهدون إعلاما فاسدا لا يعمد إلا إلى الخبيث من الأقوال والأفعال فينثره وينشره، ويعيده ويزيده، ويجمع له كل حاذق من المذيعين والمذيعات، والصحفيين والصحفيات الذين جعلوا شعارهم إشاعة الخبث والسخرية والاستهزاء، وكلما زاد سخرية في برامج "التوك شو" أو "اليوتيوبز" أو على "التويتر" أو "الفيس بوك" واستعمل الغمز والهمز واللمز تضاعف المشاهدون وزاد المعلقون، وارتفعت تسعيرته في القنوات والصفحات، وكأنما يريدون أن يصنعوا مجتمعا تفوح فيه الخبيثات لا الطيبات، وتعلوا صورهم في الطرقات، وتتوسع برامجهم في الشاشات، وتتضاعف "الكومنتات واللايكات"، ولا مانع أن تكون السخرية من العلماء على المنابر والزعماء فقد صارت ظاهرة أن يخرج مصلٍّ في صلاة الجمعة يعلو صوته على الإمام لمجرد أن قال شيئا لا يعجبه أو ذكر فكرة لا يوافق عليها، فيعلو صوته أولا، ويشير إلى الناس بالخروج ثانيا، ويحمل حذاءه ثالثا، ويخرج غاضبا مشوشا، ويبدو أن فريق الخبيثين والخبيثات قد تواصوا بما أعلنوه على الشاشات: "أنزلوه من على المنبر"، وفي المدرسة والجامعة صارت أحاديث كثير من الطلبة والطالبات سخرية من المدرسين والمدرسات أو على بعضهم البعض تقليدا أعمى لمدرسة المشاغبين، لكن الأفحش أن يخرج رئيس تحرير جريدة كبرى ليوجه كلمات من مستنقع الخبيثات من الكلمات، ولم يراعي سنًّا ولا مقاما ولا علما وكأنما أراد أن يشاع وأن يذاع النيل من القامات والاستهزاء والحط من ذوي العلم والفضل، وهذا لا يقل عن الساخر الذي لا يقدم شيئا سوى الغمز بالعينين، واللمز بالشفتين، وسوء الإشارة باليدين، ومسؤولية الطيبيين والطيبات ليس فقط أن يقولوا أو أن يترفعوا بل ألا يستمعوا أو يجلسوا إلى الخبيثين والخبيثات لقوله تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان: من الآية 72)، وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (الأنعام: من الآية 68)، ولله در عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: (لولا ثلاث ما أحببت المقام في هذه الدنيا: مكابدة الساعات – القيام والتهجد لله تعالى- ، وصوم الهواجر – في الحر- ، ومخالطة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي الآكل أطايب الثمر)، نريد أن نقول ونستمع فقط إلى الطيبات، وأن تصدر عنا الأعمال والأفعال الطيبات، وأن نقاوم بالحكمة الخبيثين والخبيثات من الأقوال والأفعال وذلك حتى نضمن أن نحتفظ بصفة الطيبين والطيبات في الحياة وحتى الممات، كما قال تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل: 32)، ونصيحتي هذه لأمتي عامة وللشباب والفتيات خاصة.  

 


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين