وفد الله رب العالمين - تعظيم مقام الحجاج والعمار
أحاديث
تعظيم مقام الحُجَّاج والعُمّار
وأنّهم وَفْد اللّه ربّ العالمين
وفضل المداومة على الحجّ والعمرة
 
بقلم: حسن قاطرجي 
تقبّل الله منكم ـ أيها الحُجّاج والعُمّار ـ وهنيئاً لكم ما أخبر عنه الصادق المصدوق r: «الحُجّاج والعُمّار وَفْد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» وهو حديث حسن، رواه بهذا اللفظ الحافظ أبو بكر البزّار في مسنده (ح1153 من كشف الأستار) عن جابر رضي اللّه عنه. وقال الحافظ الهَيْثمي في «مجمع الزوائد»211:3:   رجاله ثقات.
ورواه ابن ماجه في سننه (2893) بلفظ مقارب مع زيادة «الغازي في سبيل اللّه» عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، في كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج. وورد عنده بسند ضعيفٍ واهٍ عن أبي هريرة ـ وقد رواه قبل حديث ابن عمر في نفس الباب (2892) ـ بلفظ: «... إنْ دعَوْه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم» لكن في سنده راوٍ ـ هو صالح بن عبد اللّه - قال فيه البخاري: منكر الحديث.
 
ففي هذا الحديث تشريفٌ عظيم للحُجّاج والمعتمرين - وكذا الغزاة في سبيل الله - فَهُم وفود الرحمن وضيوف الكريم المنّان، ولئن جرتْ عادةُ الناس بالاعتزاز والافتخار بالوفود على الزعماء والملوك فقد حُقّ للحُجّاج والمعتمرين بالانتشاء فَرَحاً والاعتزاز افتخاراً بالوفود على الله رب العالمين. فهذا مقام رفيع للحُجّاج وفضل جزيل لهم، لا حَرَمنا الله من الوفادة عليه بالحج والعمرة والجهاد في سبيله مرات وكرات.
 
ومن أجل عِظَم فضل هذه العبادة ـ الحج ـ حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على المداومة عليه أو على الأصغر منه (الحج الأصغر: العمرة) فقال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة» وورد بلفظ: «أديموا الحج والعمرة» وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أكثر من صحابي، أخرجه النسائي في «سُنَنه» 5: 115 عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في الحج، باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة. كما ورد عن سيدنا عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه عن النبي r بلفظ: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكِيْرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة» أخرجه الإمام الترمذي في سننه  (810) 3 : 175، في أبواب الحج: باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة؛ والإمام النسائي أيضاً 115:5.
 
وقد قال الإمام الترمذي عقب الحديث: حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود، وصحّحه ابن خُزَيْمة (3512) وابن حِبّان (ح3693 من الإحسان لابن بَلْبان). وفي سنده الإمام القارىء عاصم بن أبي النَّجود وهو إمام ثَبْت ضابط متقن في القراءة لكنْ في حفظه في الحديث شيء من الضعف فالحديث حَسَنُ السند صحيحٌ لغيره.
ومن لطائف حديث ابن مسعود هذا الإسنادية المتعلقة بالنساء أنّ الإمام العلاّمة ابن جَمَاعة المِصْري وهو من علماء القرن الثامن الهجري (ت767) ساقه في كتابه الحفيل «هداية السـالـك إلى المذاهـب الأربعة في المناسـك» 1256:3 بسنده ـ منه إلى النبي r ـ ومن بين الرواة اثنتان من النساء هما: الشيخة الجليلة المحدثة أم هانىء عفيفة الفارفانية ومُسندة الوقت الشيخة فاطمة الجُوْزْدَانية. و(فارفان) - بفاءين - و (جُوْزْدان): من قرى أصبهان.
 
وممن روى الحديث أيضاً من الصحابة سبعة آخرون هم: أبو هريرة وعبد الله بن حُبشي وجابر وعامر بن ربيعة وعمر بن الخطاب وأم سلمة وعبد الله بن عمر (يراجع سنن الترمذي، ومجمع الزوائد277:3).
 ومعنى الحديث: اجعلوا كلاًً من الحج والعمرة تابعاً للآخر، بمعنى: إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحُجّوا. قال العلاّمة الإمام أبو العبّاس محب الدين الطبري ثم المكي (المتوفى 694 هـ) في كتابه «القِرى لقاصد أم القُـرى» - ص 40 -: يُحتمل أن يُراد به إتْباعُ أحد النُّسُكَيْن الآخر ولو تخلل بينهما زمان، بحيث يظهر مع ذلك الاهتمامُ بهما. ونقله المُناوي في «الفيض» 225:3.
 إذاً أغر ىالنبيُّ صلى الله عليه وسلم  بهذا التوجيه المسلمين على المداومة على الحج والعمرة والمتابعة بينهما بفائدتين تحصُلان من جــرّاء ذلـــك: انتــفاء الفقـر، وانتفــاء الذنــوب كمــا ينفي الكِيْــر  - وهو نار الحدّاد - الوسخ والرديء.
وباللفظ الثاني: «أديموا الحج والعمرة» رواه الطبراني في الأوسط (4974) عن جابر رضي اللّه عنه، وحسَّن الحديثَ الهيثميُّ في «مَجْمع الزوائد» 278:3. كما رواه بهذا اللفظ عن ابن عباس (3826) وفيه ضعف.
 وما هذا الحثُّ من النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العبادة إلا لفضلها وعظيم ثمراتها وجزيل ثوابها ورِفعة شأن مؤدِّيها؛ نسأل الله أن يتقبل مِن جميع مَنْ حَجّ واعتمر وأن يغفر لهم ولنا ويُكرِمَنا بدوام زيارة بيته المعظَّم. اللهم آمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين