أسباب نيل محبة الله ومحبة رسوله - كيف ننال محبة الله عزوجل
أسباب نيل محبة الله تعالى
ومحبة رسوله
للشيخ: عبد المجيد البيانوني
إنّ الأسبابَ التي يجبُ على العبد أن يتّخذها ليستجلب بها حب الله تعالى، وحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم، فيحيا بها قلبه وينتعش، ويزيد الحبّ فيه ويُؤجّج كثيرة متعدّدة، وأهمّها أحد عشر سبباً:

أولها: تلاوة القرآن مع التدبر لمعانيه، والتفهُّم لما أريد به من سلوك وعمل.
ثانيها: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد أداء الفرائض، واجتناب المحرّمات، فإنها توصل المؤمن إلى درجة المحبوبية بعدما تقدّم من برهان المحبة، وترفع العبد في مقامات  القرب والحبّ.
 وفي الحديث القدسيّ المشهور الذي يرويه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: { من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه }
 
فللعمل الصالح أثره في زيادة حبّ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وللحبّ أثره في زيادة القُربات والطاعات، فالعلاقة بين الحبّ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين العمل الصالح علاقة تأثير متبادل، لا ينفكّ أحدهما عن التأثير في الآخر وزيادته.
ومن شأن المؤمن أن يضرب من كلّ غنيمة من العمل الصالح بسهم، وأن يكون له في كلّ ميدان من الخير نصيب، فلا يقتصر على نوافل الصلاة، أو الصوم، أو الصدقة، أو الحجّ، أو الذكر لله تعالى، وإنما يجتهد في منافسة المجتهدين في كلّ باب، ويقدّم محابّ الله تعالى على رغائبه ومحابّه.

ثالثها: دوام ذكر الله تعالى على كل حال: باللسان والقلب، والعمل والحال. فنصيب المؤمن من محبة الله تعالى على قدر نصيبه من هذا الذكر، وكذلك كثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أحبّ شيئاً أكثر من ذكره.
رابعها: إيثار محابّ الله تعالى على محابّ النفس ورغباتها ولو كانت مباحة ، وبخاصّة عند غلبات الهوى ، والتسنّم إلى محابّه ، وإن صعُب المرتقى .
خامسها: مطالعة القلب لأسماء الله تعالى وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلّبه في رياض هذه المعرفة وحقائقها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ أحبّه لا محالة.

السادس: مشاهدة برّ الله تعالى وإحسانه، وسابغ آلائه ونعمائه، وعظيم مننه الباطنة والظاهرة، فإنها داعية إلى محبّته، وكثرة ذكره وشكره.
السابع: وهو من أعظمها وأعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، والذلّة لعظمته وربوبيّته، وعلى قدر تحقّق العبد بالعبوديّة لله تعالى يتحقّق بالذلّ والانكسار بين يدي الله تعالى، ويستشعر الافتقار إليه سبحانه في كلّ حال.
الثامن: الخلوة بالله تعالى وقت النزول الإلهي في السحر، ومناجاته وتلاوة كلامه، ووقوف القلب ببابه، والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختْم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب كلامهم، وثمرات أفكارهم وأحوالهم كما تَنتقي أطايب الثمر، ودراسة سير السلف الصالح وأخبارهم، وتذوّق مشاعرهم، وما فاضت به أرواحهم من حقائق وآداب، مما لا يخرج عن مشكاة الكتاب والسنّة وهديهما، وقد حفظت لنا بحمد الله تعالى كتب السير والتراجم من ذلك الشيء الكثير.
العاشر: تخفيف العلائق، وقطع العوائق، ومباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عزّ وجلّ، فما أكثر ما شغلت الإنسانَ علائقُ الدنيا، ووقفت في وجهه العوائق، فصدّته عمّا فيه خيره، وحجبته عن صلاح أمره! والعاقل الموفّق من حزم أمره، وأحكم سيره، ولم يغترّ بزخرف فانٍ، يشغله عن سعادة الأبد ويصدّه، ويحجبه عن رضوان لا يفنى.

الحادي عشر: التفكّر في فضائل النبيّ صلى الله عليه وسلم ومكارمه، وما خصّه الله به من خصائص، ورحمة الله تعالى للإنسانيّة، بل للعالمين به، وما لقيه صلى الله عليه وسلم في سبيل دين الله تعالى من عنت وإيذاء، وتكذيب واستهزاء، وكمال رأفته صلى الله عليه وسلم وشفقته بأمته، وحرصه على نيلها لكلّ خير، وإبعادها عن كلّ شرّ.
يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله: "ومن هذه الأسباب؛ وصل المحبون إلى منازل المحبة، ونالوا القرب، ودخلوا على الحبيب.. ومِلاك ذلك كلّه أمران: استعداد الروح لهذا الشأن، وانفتاح عين البصيرة. وبالله التوفيق" .
فامتحن نفسك أخي المؤمن عند كلّ سبب من هذه الأسباب، فإن رأيت منها مسارعة في مرضاة ربّك، وما يحبّه الله سبحانه، وفي طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحرص على اتّباع سنّته وهديه، فاحمد الله تعالى أن لديك براهين صدقك في محبّتك، وإيثارك لمرضاة ربّك على شهوات نفسك.. وإن وجدت غير ذلك فالسبيل أمامك مرسوم، والطريق آهل بالمحبّين السالكين، وساعات السبق بالرهان محدودة بأنفاس هذه الحياة، فلا تكن من القاعدين المفرّطين المحرومين؟! والسعيد من وفّقه الله تعالى وهداه.
ولعل أرفع ما جاء في محبّة الله تعالى لعباده ما جاء في الحديث الذي يرويه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأرْضِ } .
واعلم أخي المؤمن أنك لا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، وصدّقته خَبَراً، وأطعته أمراً، وأجبته دعوة، وآثرته طوعاً، وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبّة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعته غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعنّ، وارجع من حيث جئت، فالتمس لنفسك نوراً، ولا تغترّ بنفسك وما أنت عليه، فلست على شيء في هذا السبيل.
وتأمل قوله تعالى:   ..فاتّبِعُونِي يحببكُمُ الله، ويغفِر لكُم ذُنُوبَكُم (31)   [آل عمران] أي الشأن أن يحبّكم الله، لا أن تدّعوا حبّه، وهذا لا تنالونه إلا بإتباع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين