القدس بؤرة الصراع 2 - الصراع حول القدس
نتابع في هذا الركن ما سبق أن نشرناه حول معالم الصراع مع اليهود وفيه المعلم العاشر والحادي عشر :
بقلم: منير محمد مصطفى
سادساً: ثأر اليهود من المسلمين
10ـ موشي ديان ثم بوش
ومع ذلك بقيت القدس في يد العرب والمسلمين حتى كان عام 1967م، حين خرج الحكام العرب يقودون الأمة باسم القومية العربية ليغرقوا إسرائيل في البحر، فقاد موشي دايان الحرب ضدَّهم وهو الذي جاء ليثأر لليهود من المسلمين، وذلك حين هزم اليهود في خيبر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهى الوجود السياسي لليهود أربعة عشر قرناً من الزمان. جاء (دايان) ليثأر من هذه الهزيمة، وبدل أن تغرق إسرائيل في البحر، هزمت الجيوش العربية ، واحتُلَّت الضفة الغربية بما فيها القدس، واحتلَّت غزة وسيناء، واحتل الجولان وأصبحت القاهرة وعمان ودمشق مفتوحة للجيش اليهودي.
وإذا كان (اللنبي) قد أعلن ثأره من صلاح الدين عندما دخل القدس وقال: الآن انتهت الحروب الصليبية فقد أعلن (موشي دايان) ثأره من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عندما دخل القدس : «هذه بخيبر»وهو يعلم أن اليهود لم تكن لتقوم لهم دولة في ظل دولة الإسلام، أما حين غاب الإسلام في هذا القرن عن الحكم قامت دولة اليهود في فلسطين، واحتلوا القدس، وأعلنوها عاصمة لليهود إلى الأبد.:
وبعد خمسة وثلاثين عاماً، يوقع الرئيس الأمريكي جورج بوش على قانون الكونغرس الذي يعتبر القدسَ عاصمةً للكيان الصهيوني، القدس الموحَّدة الشرقية والغربية، معلناً خضوع الصليبية العالمية المتمثلة به للصهيونية العالمية المتمثلة بدولة إسرائيل.
سادساً: تهويد القدس في مراحله الأخيرة
11ـ أ ـ مشروع إتيام
إنها مجموعة أحياء صغيرة مزدحمة، تمتد من حائط البراق وحتى جبل الزيتون، وفي وسطها الحرم القدسي الشريف، طلبت الحكومة الإسرائيلية جعلها منطقة ذات سيادة عمومية، فرفض الفلسطينيون ذلك بشدَّة وانفجرت المفاوضات في جنين (سنة2001)، وتلاحقت التطورات بعدها، ووصل (إرييل شارون) إلى الحكم، فراح ينفذ المخطط بشكل أحادي الجانب، ولكن هذه المرة بهدف استيطاني واضح، تهويد المنقطة، وطرحها كأمر واقع بمنع أية إمكانية لتقسيم القدس بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
في شهر تموز يوليو من العام الماضي التقى وزير الإسكان الإسرائيلي (إيفي أتيام) المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة مجموعة من السياح اليهود من الولايات المتحدة، وراح يشرح لهم رؤوس أقلام مشروع استيطاني أعدّه بسرية ويهدف إلى تهويد القدس... وجعل اليهود أكثرية داخلها، وهذا يعني شراء أملاك وأراضي وبناء مشاريع لإسكان المزيد والمزيد من اليهود... ويعتبر مشروع (أتيام) من أخطر المشاريع الإسكانية  في أحياء القدس، والذي بدأ تنفيذه على أرض الواقع بدعم من الوزارات بشكل مباشر، وبمساندة ومباشرة من رئيس الحكومة (شارون) ونائبه (إيهود أُلمرت)، الذي يغض الطرف عن أي مشروع إسكاني استيطاني لليهود داخل الأحياء العربية.
ب ـ مشروع الحوض المقدس
لكن مشروع إيتام ليس وحيداً من نوعه، إذ هناك مشروع لا يقل خطورة عنه، وهو ما يسمَّى بالحوض المقدس وطرح في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل وصول شارون إلى الحكم، وسرعان ما توسَّع ليصبح أخطر مشروع استيطاني داخل القدس وبلغ السنة الأخيرة، مراحل متطورة تحولت فيه المنطقة وهي الأهم استراتيجياً في القدس منطقة فلسطينية يهودية، ومع الانتهاء من المشاريع الجارية وتنفيذ المخططات السريَّة منها والعلنية سيتحوَّل أكثر من 5.2كم2  من مركز البلدة القديمة إلى مجمَّعات استيطانية تحيط بالفلسطينيين من كل جانب وتجعلهم أقلية سيكون من الصعب عليها مواصلة الحياة فيها، والأخطر من هذا كله أن هذه المنطقة التي تعتبر مركزاً للديانات الثلاث ستتحول إلى منطقة يهودية سيكون من المستحيل التوصُّل لأي اتفاق للتسوية الفلسطينية الإسرائيلية حولها.
واستحالة إعادتها إلى ملكيَّة الفلسطينيين الذين يعيش عشرات الألوف منهم داخل غيتو من دون إمكانية الانتماء المباشر إلى شعبهم ودولتهم الفلسطينية مستقبلاً»([1]).
سابعاً: الأقصى هو الهدف
فقد أعدت جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية في الأراضي الفلسطينية تقريراً شاملاً حول الاعتداءات الإسرائيلية على الحرم القدسي منذ عام 1967حتى مطلع عام 2000 من أبرز هذه الاعتداءات:
1ـ قيام الجنرال مردخاي جور في سيارة نصف مُجْنزرة بالاستيلاء على الحرم الشريف في اليوم الثالث من بداية الحرب في 7/6/1967، مصادرة السلطات الإسرائيلية مفاتيح باب المغاربة ولم تعدها حتى الآن.
2ـ كما تعطلت صلاة الجمعة في الحرم القدسي للمرة الأولى منذ تحرير صلاح الدين للقدس من الصليبيين عام 1187م، وتكرر هذا الأمر يوم الجمعة 19أكتوبر 1990، حتى اضطر أئمة المسجد إلى تأخير الصَّلاة ساعة بسبب منع المصلين من الوصول إلى المسجد .
3ـ استولت السلطات الإسرائيلية على الزاوية الفخرية التي تقع في الجهة الجنوبية الغربية من ساحة المسجد في 16/6/1969، وعلى المدرسة التنكزية التي تُعرف بالمحكمة ويستخدمها الجنود موقعاً عسكرياً لهم منذ 29/6/1969.
4ـ اقتحم الإرهابي دنيس دوهان ساحات الحرم وتمكَّن من الوصول إلى المحراب وإضْرام النار فيه في محاولة لتدمير المسجد وقد أتت النيران على مساحة واسعة منه في 21/8/1969، وقال شاعرنا آنذاك:
المسجد الأقصى احترق     زادت قضيتنا ورق
إلا أنها انبثق عنها مؤتمر القمة الإسلامي في أول وجود عالمي على أساس إسلامي بجهود الملك فيصل رحمه الله تعالى.
5ـ في 28/8/1981تمَّ الإعلان عن اكتشاف نفق يمتد من أسفل الحرم القدسي يبدأ من حائط المبكى، وقد طلب كل من وزير الأديان السابق أهارون أبو حصيرة، ووزير الدفاع ارييل شارون إحاطة الموضوع بسريَّة تامة.
6ـ في 2/3/1982: قامت مجموعة من المتطرِّفين اليهود بمحاولة اقتحام المسجد الأقصى ، وفي 11/4/82قام أحد الجنود الإسرائيليين ـ هارولد جولدمان ـ بإطلاق النار بشكل عشوائي على المصلين أدى إلى مقتل اثنين وإصابة ستين بجراح .
7ـ انهيار الدرج المؤدي إلى مدخل المجلس الإسلامي الأعلى، حيث اكتشفت ثغرة طولها ثلاثة أمتار وعرضها متران وعمقها أكثر من عشرة أمتار تؤدي إلى نفق طويل شقَّته دائرة الآثار الإسرائيلية بمحاذاة السور الخارجي للأقصى. وكانت الحفريات التي تجري هناك قد أثرت على أساسات العمارات الإسلامية الأثرية وتشقق جدرانها.
8ـ عقد عدد من الحاخامات اجتماعاً خاصاً قرروا فيه بصورة نهائية السماح لليهود بأداء الطقوس في المسجد الأقصى كما قرروا إنشاء كنيس يهودي في إحدى ساحاته في 4/8/1986.
9ـ ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة داخل المسجد مما أدى إلى استشهاد 22 مصلياً وإصابة أكثر من مائتين بجراح في 8/10/1990.
10ـ وضع الحواجز العسكرية على مداخل الأقصى ومنع الشبان الذين تقل أعمارهم عن خمس وثلاثين سنة من الوصول إلى الصَّلاة في المسجد الأقصى في 4/9/1996.
11ـ المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية يصدر قراراً يسمح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى بعد التنسيق مع الشرطة الإسرائيلية في 11/3/1997، كما يدعو القاضي السابق (مناحيم آلون) إلى تقسيم الحرم القدسي، ويعتبر أن المسجد الأقصى هو الهيكل المزعوم بتاريخ 17/1/1999.
12ـ الحكومة الإسرائيلية تسمح لتسعة عشر متطرفاً يهودياً بدخول الحرم القدسي والتجول في ساحاته بتاريخ 4/4/99.
13ـ قيام شركة إسرائيلية للنبيذ بلصق صورة للقدس يتوسطها المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة على زجاجات النبيذ في 27/9/99.
14ـ قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي (أيهود باراك) بافتتاح مدرج في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى بتاريخ 3/10/99، وكشف النقاب عن بدء العدِّ التنازلي الإسرائيلي لهدم المسجد الأقصى المبارك بتاريخ 30/10/99.
15ـ جمعية دينية يهودية تعمل لإقامة قاعة احتفالات كبرى في ساحة البراق من أجل إقامة الاحتفالات اليهودية فيها بتاريخ 9/3/2000.
أخطار نسف الأقصى تتزايد
تصاعدت وتيرة التهديدات التي أطلقها رجال مخابرات وكتاب صهاينة بنسف المسجد الأقصى في إجراء يشكل نذير خطر، وحلقة جديدة في مسلسل تهويده وتقويض أركانه.
وأبدى رجال المخابرات الصهيونية اعتقادهم في قيام ـ يسمى بشبيبة الهضاب ـ وهم مستوطنون صهاينة متطرفون من الجيل الشبابي بالإضافة إلى مجرمين سابقين عادوا إلى أحضان الديانة اليهودية بتنفيذ مثل هذا المخطط، وأفاد رجال الموساد بإمكان إعادة محاولات سابقة عن طريق صواريخ موجَّهة  من بُعد مشيرين بذلك إلى محاولات قامت أيام الثمانينات. وقد جاءت هذه الأقوال خلال تقرير صحفي مطول نشرته صحيفة هارتس الصهيونية بمناسبة عيد الفصح الصهيوني... واستشهد رجال المخابرات على حقيقة أقوالهم باعترافات المدعو (ديفيد زليجر) أحد أعضاء المنظمات الإرهابية الصهيونية الذي اعتقل قبل ستة أشهر وقال في إحدى جلسات التحقيق: إن زعيماً من زعماء المستوطنين في الصفة الغربية خطط للقيام بنسف المسجد الأقصى بمشاركة شخصين على الأقل..
ويقول المحامي نفتالي: إن  فكرة استهداف المسجد الأقصى ما زالت تتردد في الأجواء وتتكرر منذ عشرات السنين والذي تتغير هو من الذي يقوم بتنفيذ هذه الخطة»([2]).
وإلى الحلقة القادمة ( الثالثة) وفيها الحديث عن طلائع الإسلام

([1])مجلة الوسط العدد (637) 12نيسان 2004.
([2])مجلة المجتمع العدد(1601)15ـ21ـ21/5/2004.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين