الأنصار المتأخرون السابقون...!

    

بقلم د. أحمد الفاضل
 حين تُذكر كلمة الأنصار لا يخطر في خَلَد المسلم إلا أهل المدينة المنورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهي عَلَم عليهم, لأنهم نصروا وآووا وبذلوا وآثروا وضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله, وقد امتدحهم الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم بقوله: (والذين تبوؤوا الدارَ والإيمانَ من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممَّا أُوتوا ويؤْثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومَنْ يُوقَ شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون)..
 وقوله :(والذين .. ) معطوف على قوله في الآية السابقة :(للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم .. ) والجار والمجرور (للفقراء) متعلقان بفعل محذوف- على رأي - تقديره : اعجبوا ..!
 وهذا تقدير رائع يتَّسق ويتناغم مع المعنى, لأن هذه الصورة الإنسانية من التضحية الغريبة يُتعجب منها ولا ينقضي العجب.. إنها صورة من هاجر إلى الله فترك كل شيء وراءه, وصورة من آوى وبذل وضحى.. أي: يا أيها الناس اعجبوا لحال هؤلاء ..!
 
أنصار مهاجري بلاد الشام:
 
 وكما أثنى عليهم القرآن العظيم كذلك أثنى عليهم الرسول الكريم فقال: (حب الأنصار من الإيمان) ،ودعا لهم ولذريتهم فقال: (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار .. ).
 واليوم يلد التاريخ أنصاراً هم حفَدة أولئك السابقين المكرمين.. إنهم أنصار مهاجري بلاد الشام الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق؛ لأنهم يقولون: ربنا الله ولا مولى لنا سواه؛ لأنهم نفضوا عن وجوههم غبار الذل والاستعباد, وحطموا قيود الظلم والاستبداد التي قيَّدهم بها أخسُّ الخلق وأفجر الناس..
 هؤلاء المهاجرون وجدوا أنصار رسول الله - الذين تأخرت ولادتهم إلى يومنا هذا- في كل بقعة هاجروا إليها في داخل البلاد وخارجها.. وسأقف عند مشاهد رأيتها أو أخبرت عنها في سورية ومصر وتركيا حيث تنقلت في هذه البلاد..
 أ_في سورية:- ودمشق وضواحيها خاصة- رأيت ما أدهشني من بذل و إيثار من الناس وسهر ليل نهار لخدمة الذين هجروا من حمص عندما بدأ المجرمون بقصفها وتدميرها..
 رأيت الكبار والصغار والأغنياء والفقراء يقدمون كل ما يستطيعون من مساكن وطعام وأغطية ومدافئ-لأن بداية التهجير كانت في الشتاء- وأدوية وعلاج مجاني عند الأطباء وعمليات جراحية في المستشفيات.. وغير ذلك مما لا يحيط به العد ولا الذكر.. بل رأيت بعض الفقراء ممن يسكن في بيت ليس فيه إلا غرفتان قد آوى أسرة مهاجرة في غرفة ولاذ هو وأهله في غرفة..!
 ومن غريب ما رأيت: الانقلاب الجذري في الشباب الذين كانوا في لهو ولعب وميعة إذا هم أنصار الله ورسوله والمهاجرين.. فكان هؤلاء لا يفترون في ساعة من ليل أو نهار عن القيام بمساعدة الناس وخدمتهم..
 وقد رأيت أخاً من ذلكم الذين أحدثِّكم عنهم يبكي فرحاً بأن سخَّره الله سبحانه وتعالى ليكون أنصارياً ففتح الفندق الذي كان يستأجره للسياح - وخاصة الرافضة منهم الذين يزورون الأماكن المقدسة عندهم! - فتحه لإخوانه وقام على معونتهم بقدر استطاعته, فصار هذا المكان الذي ينزل فيه أعداء أصحاب رسول الله مستقراً ومأوى لعاشقي أحباب رسول الله..
 وحدَّثني هذا الأخ المحب أنه دخل مرة الفندق فرأى في المدخل صورة لحسن نصر اللات قد علقها بعض العاملين في الفندق تعميةً وخوفاً من وحوش المخابرات والشبيحة والنبيحة على من في الفندق من أهل حمص..قال: فغضبت غضباً شديداً, حتى أسكن الناس من غضبي وأخبروني عن سر تعليق هذه العورة- أي الصورة- فسكت لكن قلبي لم يهدأ الغضب فيه ولا أستطيع أن أنظر إليها, وبينا أنا كذلك إذا بالصورة المعلقة تسقط على الأرض دون أن يمسَّها أحد وليس هناك ريح.. قال: فصرخنا جميعاً : الله أكبر ، وقمنا فأخذنا نطأ الصورة بأقدامنا..!!
 وهذا السقوط العجيب لصورة الرافضي الكذوب بشارة وإرهاص بأن هؤلاء وأتباعهم وحاملي حقائبهم منهزمون بإذن الله تعالى وأن خسارتهم ستكون من حيث لم يحتسبوا ولم يخطر في بالهم..
 وكما كان في سورية أنصار فهناك فرقة قليلة من أبناء المنافق عبدالله بن أبي بن سلولالذي ضاقت عينه وانفجر قلبه بالحسد والحقد على رسول الله والمهاجرين للذي رآه من إخوانهم الأنصار.. فليمت هؤلاء بغيظهم فأبناء الأنصار والمهاجرين لن يخلو منهم مكان ولا زمان.. 
   ب_في مصر: وكما رأيت أنصاراً في دمشق وريفها, كذلك وقعت عيني عليهم في بلدنا الثاني مصر وكان ذلك من الدولة وهيئآتها الرسمية ومن الناس جميعاً.. فالدولة فتحت الأبواب مشرعة أمام المهاجرين من السوريين فلست تجد أي عائق في المطار أو في المدارس والجامعات لمن أراد أن يسجل أولاده فيها, وأصدر الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية – حفظه الله - مراسيم في ذلك..
 وأما المصريون فكانوا في مساجدهم وفي طرقهم وفي جلساتهم منشغلين بما يتعرض له إخوانهم في سورية, فكانوا كثيري الدعاء لهم بالنصر وعلى المجرمين بالهلاك القريب..
 ولم يقتصر الأمر على الدعاء والكلام بل اقترن ذلك بالأفعال, فتحركت الجمعيات الخيرية في كل مكان وخاصة في القاهرة وستة أكتوبر لمساعدة المهاجرين بكل ما تستطيع, فاستأجروا شققاً بلا أثاث بأسعار معقولة وكسوها بأثاث مناسب على نفقتهم.. وبعض الجمعيات خصصت معاشاً شهرياً لعدد من الأسر.. ومن الجمعيات من تقدم كل شهر مواد غذائية لهؤلاء..
 وهذا الخير والحب العربي المصري يذكرنا بما قاله الشاعر المصري الكبير محمود غنيم في قصيدته الغراء:
 
 ما لي وللنجم يرعاني وأرعاه...أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه
 كم بالعراق وكم بالهندذو شجن...شكا فرددت الأهرام شكواه
 
إلى أن يقول في التآخي بين العرب والمسلمين وفي البذل والتضحية:
 
 بني العمومة إن القرح مسَّكمُ..... ومسّنا نحن في الآلام أشباه
 يا أهل يثرب أدمت مقلتي يدٌ....بدرية تسأل المصريَّ جدواهُ
الدين والضاد من مغناكم انبعثا...فطبّقا الشرق أقصاه وأدناه
لسنا نمد لكم أيماننا صلةً.......لكنما هو دَينٌ ما قضيناه !!
إلى أن قال هذا البيت الفريد اليتيم:
 رحمك الله وجزاك خيراً وسلّم مصر وأهلها وجيشها وقادتها ورئيسها..
 
العتب على بعض الدول العربية :
 
ولا بد هنا من ذكر مكرمة للشيخ محمد حسان ،فقد زاره بعض الأخوة - ومنهم الدكتور عبد الكريم جاموس- لبحث قضايا المهاجرين السوريين.. فقال لهم الشيخ: قناة الرحمة أبوابها مفتوحة أمامكم لتقولوا ما شئتم ولتدعوا الناس والجمعيات للسعي من أجل أهلنا وإخواننا من سورية..
 
 
 أين حظكم من الأنصار؟
 
لكن العتب كل العتب على بعض الدول التي هي أغنى من مصر بالمال والموارد وإن كانت الأفقر بكل شيء.. التي أغلقت الأبواب أمام المهجرين السوريين وضيَّقت على المقيمين ،وغلّت يدها عن كل خير وبر, لتبسطها على النظام وأعوانه وكلابه..
 
ألا تخافون من نقمات الله تعالى عليكم وسخطه..؟! 
 
أين نصيبكم من قوله تعالى: (والذين تبوؤوا الدار والإيمان... )؟! ألا تخافون أن يجور عليكم الزمان في يوم من الأيام؟!
 ت- وأما في تركيا بلد الفاتح ومأوى السلطان سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه, فقد رأينا عجباً.. إنهم ليبكون من أجل شام شريف كما يسمُّونها..وترى التركي الذي لا يحسن العربية إلا حين يقرأ القرآن الكريم, يرفع يديه إلى السماء داعياً للشام وأهله بكلام تفهم بعضاً وتجهل بعضاً..!
 وهناك جمعيات في عرض البلاد وطولها ترسل مساعدات إلى الحدود السورية, وعندما تتحرك الشاحنات يبدأ الناس بالتكبير وكأنهم في عيد.. فهم فرحون بأن الله تعالى أكرمهم بذلك.. وإن رأوا أحد السوريين يقولون: أهلاً بإخواننا المهاجرين.. نحن إخوانكم الأنصار..!!
 والحكومة التركية لم تألُ جهداً في الإغاثة وبناء المخيمات على الحدود حتى صار المهاجرون المسجلون نحو مئة ألف وأما غير المسجلين فلا يُعلم عددهم..!
 
وفي كل بلد من بلاد العرب والإسلام أنصار تأخَّر زمانهم، لكنهم سبقوا غيرهم فهم الأنصار السابقون في البر والخير والنصرة والمعروف المتأخرون في زمانهم ليكونوا دليلاً منادياً صارخاً بأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا ينقطع فيها الخير إلى يوم القيامة فهي خالدة بخلود رسالة الإسلام وعامة بعموم دعوة خير الأنام عليه الصلاة والسلام..                        
 
ولو قارنا بين ما تقدّمه الحكومة التركية وبين ما فعلته وتفعله الحكومة الصهيونية في العراق -بقيادة الوسخ النجس الهالكي من تضييق على السوريين أو إغلاق للحدود أمام الفارين من نيران المجرمين - لعرفنا البون الشاسع بين المسلم الحق وبين العربي اللصيق الدخيل إلى أمة العرب.. فما هو في أصوله إلا مجوسي حاقد من أتباع كسرى ..!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين