الائتلاف الوطني السوري.. النجاح المعلق بين مرجعية الثورة والألغام السياسيّة

 
















بقلم: نبيل شبيب
لا شك أنّ آلام مخاض اجتماعات الدوحة أسفرت بعد صور مقبولة ومرفوضة من المفاوضات والمشاحنات والمساومات، عن حصيلة فيها نسبة عالية من الإيجابيات، ولا تخلو من سلبيات كبيرة، وأنّ ما يمكن أن تتركه هذه الحصيلة على مسار الثورة في الأسابيع القادمة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة الثوار المخلصين على متابعة طريق الإنجازات التي يحققونها مع الشعب الثائر، رغم المعاناة إلى درجة غير مسبوقة. كما أنّه مرتبط أيضاً بمدى قدرة المخلصين في ما أسفرت عنه اجتماعات الدوحة، من التركيز على الإيجابيات وزيادتها، وعدم التردّد في مواجهة السلبيات والعمل على التخلّص منها.
 
الثقة المبدئية
في الصدارة من العوامل التي جعلت النتائج تجد التأييد المبدئي لدى قطاع لا يستهان به من المتحدثين باسم الثوار، أنّ قيادة الائتلاف الوطني السوري الجديد وصلت إلى أيدٍ أمينة، عرف أصحابها بالنزاهة والثبات على رؤاهم من المنطلق الوطني الحاضن للتوجهات، البعيدة عن لغة الإقصاء والتخوين وأسلوب الاحتكار السياسي واستغلال المواقع. هذا ما يسري على الداعية الإسلامي أحمد معاذ الخطيب، وعلى المناضلة السياسية سهير الأتاسي، وعلى النائب السابق والمعارض الوطني رياض سيف، إضافة إلى رجل الأعمال من المجلس الوطني السوري مصطفى الصباغ.
 
يكمن الجانب الإيجابي الرئيسي في الحصيلة إذن في الاطمئنان المبدئي إلى نزاهة القيادة وقابلية التكامل بين توجهاتها السياسية, المساعدة على تكامل الاتجاهات السياسية المتعدّدة، والأساليب المتناقضة غالباً، على صعيد ما يسمّى المعارضة السياسية السورية، مع التأكيد أنّ الاطمئنان والثقة لا يعنيان التسليم المسبق بكل ما يقرره ويصنعه الحائزون على ذلك انطلاقاً من المعرفة بهم وبمواقفهم ومسيرة تاريخهم النضالي، وقد كان معظمهم جزءاً من الحراك الثوري أو قريباً منه، وإن تباينت الرؤى، لا سيما في مسيرته السلمية طوال الشهور الخمسة الأولى، رغم مواجهته على الفور بأساليب القمع الهمجية من جانب العصابات الإجرامية المتسلّطة على الوطن والشعب والجيش.
 
إنّ رصيد الاطمئنان والثقة لا يبقى على مستوى واحد، وما لم يرتفع يوماً بعد يوم من خلال إنجازات مرئية، وبسرعة تواكب سرعة مسار الثورة، فيمكن أن ينقلب -لا سمح الله- إلى اتجاه الهبوط وعودة ما سبق أن كان من ضعف الثقة إلى درجة انعدامها في كثير من الأحيان ما بين «الثورة» و«المعارضة».
 
معيار الإنجاز
ليس المقصود بالإنجازات تنفيذ «خطوات» محدّدة في المهام المنتظرة من الائتلاف الوطني السوري بتشكيلته الجديدة، والتي أعطيت عناوين اعتراف دولي، وحكومة مؤقتة، ومؤتمر وطني عام، وحكومة انتقالية، بل المقصود هو «كيفية» تحقيق هذه الخطوات، بحيث تخدم مسار الثورة وفق أهداف الثورة، وفي مقدّمتها إسقاط بقايا العصابات المتسلّطة، ثم ترسيخ دعائم الدولة الدستورية التعددية على محور تحرير إرادة الشعب تحريراً ناجزاً غير مشروط.
 
في طريق كل مهمة من المهام المطروحة على المسؤولين في الائتلاف الوطني السوري ألغام وعراقيل ومخاطر.. ولا شكّ أن ما ظهر من وعي الشعب الثائر، يؤكّد أنّه سيتابع ويقبل ويرفض ويعلن الثقة أو يسحب الثقة، لا سيما على صعيد المحاور الأساسية لعمل الائتلاف الوطني السوري:
 
1- بدءاً بالربط بين الحصول على اعتراف دولي رسمي وبين دعم الإنجازات الكبرى للثورة والثوار في الداخل للإسراع بإسقاط بقايا العصابات المتسلّطة، وهو ما بات محتماً من قبل تشكيل الائتلاف، وذاك ما أدركته القوى الدولية والإقليمية، ولا يوجد اعتراف دون «ثمن» تعمل تلك القوى للحصول عليه.. فمعيار نجاح المسؤولين واستحقاق الثقة بهم وبقيادتهم السياسية، هو ألاّ يكون ثمن الاعتراف على حساب مسار الثورة، ولا عبر دعم فريق وحصار آخر من الثوار، لا سيما في نطاق الألوية والكتائب من الجيش الحر.
 
2- مروراً بمخاض «سياسي» قادم لتشكيل حكومة مؤقتة، ومدى النجاح في أن تكون -بغض النظر عن تشكيلتها مما يوصف بالتكنوقراط- حكومة مؤقتة معبرة عن الشعب الثائر، وليس عن محاصصات بين قوى سياسية معارضة، وأن تتشكل وفق ما يتطلبه تحقيق أهداف الثورة ومصلحة الشعب والوطن، وليس على أساس المساومة على مناصب ونفوذ ومواقع «سيادية» في صنع القرار، سواء كان ذلك بحجة ما يزعمه كل فريق من المعارضة من «حجم ووزن» أو كان بزعم تمثيل الثورة والثوار أكثر من الفريق الآخر.
 
3- انتهاء بالخطوات الحاسمة في تشكيل مؤتمر وطني عام وحكومة انتقالية، ومدى تعبير ذلك عن مكوّنات شعب سورية على أساس تكامله في حاضنة الوطن والمواطنة، وليس على أساس ما تروّج له أطراف أجنبية في الدرجة الأولى من حيث تعرّض هذه الفئة أو تلك من فئات الشعب الواحد لخطر من الأخطار، فالمصدر الأول والأكبر للأخطار جميعاً، هو الاستبداد الداخلي والتبعية الأجنبية، وكلاهما مرفوض أن يكون مصدراً من مصادر تثبيت دعائم الدولة الدستورية التعددية المطلوبة.
 
الأمل الأكبر
المخلصون في القيادة السياسية للائتلاف الوطني السوري، والمخلصون من القوى الثورية التي وضعت ثقلها من وراء هذا الائتلاف ومكّنت من وضع علامات أولى في الاتجاه الصحيح, كرفض إدراج ما عرف بوثيقة المعارضة في مؤتمر القاهرة قبل شهور، لا يتمتعون بمهلة مائة يوم لتجربة عملهم بعد الثقة بإخلاصهم، فما هو معتاد في أوضاع سياسية مستقرة لا يسري على مسار ثورة تغيير جذري قدّمت ما لم تقدّمه ثورة من قبل من التضحيات البطولية، وحقّقت ما لم يحققه سواها من إنجازات، دون الحصول على الدعم الذي تستحقه بالقدر الكافي وغير المشروط.
 
كل يوم من الأيام القادمة الآن هو يوم امتحان، ومن لا يحقق متطلبات النجاح فيه، سيكون من الخاسرين بمعيار الثورة مهما بلغ إخلاصه وبلغت الثقة به ومهما كان له من تاريخ نضالي مشرّف.
الأمل كبير في أن تسفر جولات الثورة والثوار سياسياً في المرحلة التالية، بوجود قيادة ارتفعت ولو مبدئياً إلى مستوى قريب من مستوى الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين، عن تحقيق إنجازات كبيرة وسريعة، والأمل الأكبر معقود على صلابة عود الثوار أنفسهم على أرض الوطن، في الميدان الحقيقي لصناعة القرار، وصناعة الحدث، وصناعة التاريخ.} كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إن الله قويّ عزيز{.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين