بعد تشكيل قيادات للمعارضة السورية.. أيّ دور لأعدائها؟!

منذ قرابة عشرين شهراً والساحة السورية تعاني نزفاً متواصلاً للدماء وتدميراً للمنازل، وانسداداً في أفق أي حل أو تسوية للأزمة القائمة.. طالما أن النظام متشبث بالسلطة ومصرّ على البقاء وهو يمارس كل أشكال القمع والقتل والاضطهاد، ضد شعب أعزل خرج الى الشوارع وهو يهتف للحرية والديمقراطية وتداول السلطة، وأن ثورته سلميّة سلميّة.
 
وعندما فشلت الأجهزة الأمنية في عمليات التصدي للاعتصامات والمظاهرات بواسطة الأجهزة الأمنية وعناصر المخابرات المسماة «شبيحة» عبر استعمال الرصاص الحيّ في قتل عشرات المتظاهرين كل يوم في شوارع درعا وأحياء حمص وحماة.. رفع النظام من مستوى عملياته القمعية، ودفع الى ساحات المواجهة بالدبابات والمدفعية والمروحيّات، ثم أوغل أكثر في عمليات القتل والدمار فدفع بطيرانه الحربي ليوقع مئات الشهداء كل يوم، مما دفع المواطنين إلى ان يرفعوا في وجهه السلاح الذي غنموه من الثكنات المتساقطة ومما يحمله الجنود والضباط المنشقون. هنا أمسك النظام بالاسطوانة المشروخة التي تقول إنه يقاوم الارهاب، وإن النظام يواجه مجموعات ارهابية متطرفة تسرّبت عبر الحدود، أو أن تركيا ولبنان والدوائر الغربية هي التي تدفع بها الى الساحة السورية.. مع أن قرائن كثيرة تقول بأن النظام هو الذي ينسق تسرّب عناصر القاعدة، من العراق وايران وأفغانستان.. الى الداخل السوري. وهو يكرّر نفس اللعبة التي مارسها منذ سنوات في الساحة اللبنانية، حين دفع بـ«شاكر العبسي» الذي كان في العراق، ثم في السجون السورية، الى الساحة اللبنانية لينشئ تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم النهر البارد، فيشغل به خصومه السياسيين في لبنان عدة أشهر، ولولا القرار الإسلامي والوطني بدعم صمود الجيش في مواجهة هذه الموجة الارهابية.. لأصبح تنظيم «فتح الإسلام» واحداً من عناصر الأزمة المستمرة على الساحة اللبنانية.
 
والآن، بعد سقوط عشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين والمشرّدين.. وبعد أن حرّرت الفصائل العسكرية المنشقة عن النظام مناطق شاسعة ومدناً سورية عديدة.. وبعدما أصبح هناك «جيش نظامي» و«جيش حرّ» في سوريا.. فقد واكبت المعارضة السورية الحراك الشعبي والثوري، فكان «المجلس الوطني» الذي ضم معظم فصائل وأحزاب المعارضة السورية.. وبعد أن عقدت في عدد من العواصم - العربية والأجنبية - مؤتمرات «أصدقاء سوريا»، كانت المعزوفة التي يردّدها الجميع أن المعارضة السورية منقسمة، وأنها غير موحدة، وأن أي دعم جدّي - لا سيما في المجال العسكري - لا يمكن أن يتوفر الا في حال توحدت المعارضة ضمن اطار سياسي. وهذا منطق غريب وعجيب، فأي معارضة في أي بلد ديمقراطي تبدو موحدة؟ فضلاً عن بلد مثل سوريا، أوغل النظام قتلاً وتشريداً بكل فصائل وأحزاب هذه المعارضة!! وقد بدأ ذلك منذ أواخر ستينات القرن الماضي حين أبعد مؤسسي حزبه الحاكم (ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار)، ثم اعتقل أو شرّد أو قتل كبار ضباط طائفته: اللواء محمد عمران، العميد صلاح جديد، الفريق رفعت الأسد.. وغيرهم، ثم ينشق عنه نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام، وأخيراً رئيس وزرائه رياض حجاب وعدد كبير من ضباط الأمن والجيش.. وكل هؤلاء باتوا يائسين من امكانية الوصول الى حل سياسي من خلال الحوار مع النظام، أو مع شخص رئيس النظام، وأن الحل الوحيد هو تحرير سوريا من حكم «العائلة» القمعي الاستبدادي وتسليم السلطة الى الشعب.
 
ومن خلال ضغوط مارستها جامعة الدول العربية وعدد كبير من أقطار العالم، فقد جرى خلال الاسبوعين الماضيين انتخاب هيئتين قياديّتين لكل من «المجلس الوطني» الذي جرى اختيار الناشط السياسي جورج صبره رئيساً له (وهو مسيحي وعضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري)، وبعد ذلك جرى تشكيل «الائتلاف الوطني السوري» وانتخب معاذ الخطيب رئيساً له، وهو خطيب الجامع الأموي بدمشق، وقد جرى اعتقاله عدة مرات خلال أحداث الثورة السورية. كل ذلك جرى في جو حرّ وديمقراطي تحت رقابة جامعة الدول العربية، على أن يجري توحيد - أو تنسيق - القوى العسكرية في الداخل.
 
رغم كل ذلك فإن هناك من يطرح شروطه على المعارضة السورية، فيطالبها بالمزيد من التوحد، لافتاً النظر الى أن الاسلاميين - لا سيما الاخوان المسلمين - ما زالوا يمسكون بزمام القرار السياسي والعسكري للمعارضة السورية. ونسمع كلاماً عجيباً من مصادر ايرانية تقول ان طهران سوف تقيم حواراً سياسياً بين النظام وبعض قوى المعارضة السلميّة. فمن هي هذه القوى.. ومن تمثل على الساحة السورية، وماذا بقي من رصيد تتمتع به ايران على الساحة السورية؟! قد تكون لإيران مصالح في سوريا، سواء على مستوى الامتداد الإقليمي أو التفاهم السياسي أو ما يتعلق بمقاومة العدوّ الاسرائيلي.. لكن كل ذلك لم يعد له صدقية بعد ايغال النظام - بدعم ايراني عسكري ومالي - في قتل شعبه وتدمير بلده، وهذا ما لم يتورّط به حتى العدوّ الاسرائلي ضد الشعب الفلسطيني. وأسوأ ما في الأمر أن بعض كبار رموز الساحة الايرانية يتعلقون بأوهام لا يقولها حتى النظام السوري نفسه، فقد قال خطيب جمعة طهران الأسبوع الماضي (الشيخ جنتي) ان 95 بالمئة من المقاتلين على الساحة السورية هم من ارهابيي تنظيم القاعدة الغرباء الذين يتسللون من الخارج.. فهل تريد طهران فتح حوار مع هؤلاء لتنهي الأزمة السورية؟!
 
لقد مضى عشرون شهراً على الثورة السورية والشعب السوري يقدم التضحيات على مذبح الحرية والكرامة. وقد مضى الكثير ولم يبق الا القليل. وهذا قدَر الشعب السوري الذي صبر عشرات السنين على ظلم وقهر المجموعة الحاكمة بالحديد والنار. واذا كان الاسلاميون في سوريا أول وأكثر من تحمل قمع النظام وظلمه فإنهم اليوم يكادون يتعرّضون لحملة اقصاء - عربية وغربية - تحت عنوان ان لا يقع في سوريا مثل ما وقع في مصر أو تونس، ليتكامل هذا التوجه مع ما يقوله بشار الأسد نفسه، بأن نظامه هو الضمانة الوحيدة لبقاء آخر نظام علماني في المنطقة.
المصدر : مجلة الأمان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين