ألم يشبع من لعنات الشعب صباح مساء ؟!

د. طارق باكير

 

 

     ربما يشعر بعض أصحاب اللياقة والتهذيب والورع ، الذين ما اعتادوا على سماع ألفاظ السب والشتم واللعن ، أو التلفظ بها ، ربما يشعرون بشيء من الحرج عندما يسمعون هذه العبارات  تسري على ألسنة المتظاهرين ، حتى وإن كانت موجهة لأكابر مجرمي العصابات الأسدية ، وصارت لعنة روح (حافظ ، وأبو حافظ ) ، لازمة على ألسنتهم في كل تظاهرة ، ولاسيما بعد أن صارت المظاهرات تواجه بالرصاص ، والاعتقال والتعذيب حتى الموت . فما الذي استهوى تلك الجماهير الثائرة المطالبة بالحرية والكرامة ؟ وما الذي حملها على أن تخص روح ( حافظ ، وأبو حافظ ) ، باللعنات الصريحة في كل تظاهرة ، وفي كل صرخة ، وفي كل حديث ونجوى ؟
 
    إن الجماهير تدرك وتعي تماما ، بوعيها وذاكرتها وحسها الرهيف الذي لا يخطئ ، أن التصدي بالرصاص ، والتعذيب المميت لكل حر ، ولكل مطالب بالحرية والكرامة ، وإنهاء عهود الذل والقمع والفساد والاستبداد .. هو نهج رسخه المجرم ، المدعو حافظ أسد ، الذي فعل هو ، ويفعل اليوم ابنه ، بشعب سورية الحر العزيز الكريم ، ما لم يفعله حاكم ، بله غاز أو محتل بشعب من الشعوب ، والذي ظن عندما استولى على السلطة ، ومكّن لعصابته المجرمة من الساقطين والفاسدين والمفسدين ، المجرَّدين من الخلق والشرف والدين ، وأنشأ حكما همجيا مستبدا ، أخسَّ من حكم فرعون ، يقوم على السجن والبطش والقتل والإجرام والتشريد لكل حر .. وفرض دستورا قمعيا متخلفا فاسدا ، كقوانين الوحوش في الغاب ، ليمكنه ويمكن عصابته من التسلط ، والبقاء في حكم الغابة إلى أرذل العمر ، ثم يورث من بعده من يشاء ، ويميز بين أبناء الشعب السوري الواحد ، ويحرم المواطن الذي لا يتنازل عن دينه وأخلاقه وشرفه ، ولا ينتمي إلى الحزب الذي هيمن عليه هو وعصابته ، يحرمه من حقوقه الأساسية في دولته ، كالانتساب إلى سلك الجيش والتعليم ، وما فرض من قوانين يستبيح بها دماء المواطنين الشرفاء المخلصين ، الأتقياء الأطهار ، فلم تسلم أسرة في سورية من بطشه ، بقتل أو سجن أو عزل أو تشريد .. ونشر الفساد الأخلاقي في أنحاء البلاد ، ثم ورّث ابنه القاصر الأثول الحكم ، مستخفاً بعقل الشعب وإرادته ، في مهزلة لم يشهد لها العالم مثيلا في هزليتها وصفاقتها ، ثم هادن الكيان الصهيوني الغاصب ، وقام بمهمة حماية حدوده ، ورهن سورية ومقدراتها لإيران وروسيا وغيرهما ، مقابل الدفاع عنه ، وحماية حكمه ..     
 
      أقول : عندما ظنّ هذا المجرم ، الذي لم يترك سبيلا لإذلال شعب سورية وإهانته ، وسلب إرادته ، أن بإمكانه من خلال البطش والقتل والتدمير والتشريد .. أن يحول شعب سورية الحر الأبي العزيز الكريم ، إلى قطيع من القطعان ، يورده ما يشاء ، وقت ما يشاء ، ثم يقوده ويعامله ، كما يقاد ويعامل القطيع ، وظنّ أنه بهذا سيمكث ويخلد في السلطة والحكم إلى الأبد ، وأوعز إلى عصاباته أن يعلنوا ذلك على الملأ ( القائد إلى الأبد .. ) ، ويضعوا له تمثالا كتمثال (هُبل) في كل ساحة ، متحديا الشعب تحدي الجبناء ، مستهينا به استهانة الأوباش ، مستخفا به استخفاف الأنذال ، متجبرا عليه تجبر الطغاة ، متكبرا عليه تكبر الفجار..
 
     لقد ظنّ المجرم الأكبر وفكَّر وقدَّر .. ولكن خاب الظن ؛ وسقط هبل ، وصار رأسه يدحرج بين الأرجل ، ويركل بالأقدام .. وانهالت عليه وعلى ابنه لعنات شعب سورية ، ونالا منها ، ولا زالا ، ما لم ينله حاكم من شعب على مدى الدهور والأيام ، جزاء وفاقا لغدرهما ومكرهما وخبثهما وإجرامهما وخيانتهما للشعب والوطن ..
 
     وها هو هبل الأصغر ، بات يدرك أن مصيره المحتوم قد اقترب ، وأنه لن يجد أرضا تقله ، ولا سماء تظله ، وأن الموت ملاقيه في سورية ، ولا يدري كيف سيكون المصير والقصاص ، حين يقع قريبا في أيدي الثائرين ..      
 
     ولعله بات يدرك ماذا فعل به المستشارون الأقربون ، والخبراء المجرمون ، الذين دفعوا به إلى أن يسلك سبيل أبيه المجرم ، في محاربة الشعب والبطش به ، ومحاولة إبادته وتشريده ، متعامين عن طبيعة هذا الشعب الحر العزيز الكريم ، متجاهلين طبيعة هذه الثورة العارمة الشاملة ، المطالبة بالحرية المسلوبة ، والكرامة المسحوقة ، والتي تشرف على الظفر ، وتحقيق النصر المؤزَّر بعون الله .. ولتحل عليهما معا ، وعلى أعوانهما المجرمين الحاقدين المزيد من اللعنات .. لعنات شعب سورية ، ولعنات الأمم والشعوب والأجيال ، على مدار التاريخ ، ومرِّ الليالي والأيام ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين