ذات الشوكة و الثورة في السورية

بقلم : يحيى حاج يحيى


لما خرج الشعب السوري في آذار 2011 ، كان يطالب بالحرية التي هي من أول حقوقه ! و كان خروجه عفويا لم يعد له العدة من قبل ، و إن كانت بوادر الثورة تلوح في الأفق بعد تراكم طويل و ثقيل من ممارسات النظام ، و معاناة الجماهير 

و لكن الله سبحانه أراد شيئا آخر ، أراد لهؤلاء المطالبين بالحرية بداية تحول في سورية و ما حولها !
و هي صورة تشبه ما حدث للمسلمين في غزوة بدر ، حين خرجوا لاعتراض القافلة تعويضا لما فقدوه في مكة 
إلا أن الله تعالى - كما يقول  صاحب الظلال سيد شهداء العصر
 
: أراد أن تكون ملحمة لا غنيمة ، و أن تكون موقعة بين الحق و الباطل ؛ فكان اختبار الله لهم غير ما أرادوا و خرجوا لأجله " و يضيف :" فأين ما أرادته العصبة المسلمة لنفسها مما أراده الله لها ؟ لقد كانت تمضي - لو كانت لهم غير ذات الشوكة - قصة غنيمة . قصة قوم أغاروا على قافلة فغنموها ! فأما بدر فقد مضت في التاريخ كله قصة عقيدة ، قصة نصر حاسم و فرقان بين الحق و الباطل ، قصة انتصار الحق على أعدائه المدججين بالسلاح المزودين بكل زاد 
 
أما و قد فرت القافلة فقد قدر الله أن يلقوا الطائفة الأخرى ، و قدر أنها ستكون لهم ، كانت ما كانت ، كانت العير أو كانت النفير كانت الضعيفة التي لا شوكة لها أم كانت القوية ذات الشوكة و المنعة [ و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ، و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ] هذا ما أرادته العصبة المسلمة لأنفسها يومذاك ، أما ما أراده الله لهم ، و بهم ، فكان أمرا آخر [ و يريد الله أن يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ليحق الحق و يبطل الباطل و لو كره المجرمون]
 
و هكذا و على الطريق نفسه تمضي الثورة في سورية
!  
فالحرية على أهميتها كان يمكن أن تنال كما في ثورات الربيع العربي ، و لكن تقدير الله - أراد أن تطول هذه المعركة ، ليحيى من حيّ عن بينة ، و يهلك من هلك عن بينة ، فمتى كانت تلك النفوس التي وقفت مع الطاغية متى كانت ستنكشف ؟ و أين كانت ستتعرى ؟ ففي زمن المعركة الذي طال ، و على أرض الواقع الذي توضحت فيه الحقائق لكل مبصر ، انكشف هؤلاء بدءا من معممين لم يكونوا إلا سلة معلومات ،إلى من يزعمون أنهم نخب تتاجر بالمبادئ و المواقف ، إلى عامة لم يكونوا شيئا مذكورا إلى... إلى .. فإذا هم قطعان مفضوحة مكشوفة تندرج جميعها تحت مسمى [ الشبيحة] أعمى الله قلوبهم ، فلم ينتفعوا ببصر العينين . 
 
كانت بدر نقطة تحول لا في حياة العرب آنذاك ، بل في حياة البشرية ؟! فماذا لو غنم المسلمون القافلة ، أو ماذا لو سُحقت تلك الفئة المؤمنة تحت سنابك خيول الجاهلية ؟ و لكن الله أراد أمرا آخر فكانت فرقانا بين الحق والباطل !
 
و ماذا لو أن تلك الانتفاضة حصلت على حريتها بجهد يسير و وقت قصير ، أو لو أنها سُـحقت تحت
عجلات دبابات النظام و وحوشه ؟!
 
و لكنها إرادة الله ، فقد حققت الثورة السورية الكثير و الكثير ، و ستكون إيذانا - بعون الله و توفيقه -
لتحول كبير يشمل سورية و المنطقة المحيطة بها و البعيدة عنها
 
و بمقارنة بين الجهاد في أفغانستان بعد احتلال الروس لها و بين الثورة السورية تستوقفنا ثلاث نتائج كان المفكر محمد قطب قد أشار إليها في كتابه [ الجهاد الأفغاني و دلالاته] المطبوع عام 1989 في جدة ، و قبل انهيار المنظومة الشيوعية و دولها المتهالكة . 
 
أولاها : أن الجهاد الأفغاني قد كسر حاجز الرهبة من الوحوش الضارية التي تسمي نفسها [ الدول العظمى]
 
و ثانيها : أنه كان نقطة تحول تاريخية وفق الإرادة الإلهية على يد فتية آمنوا بربهم ، و زادهم هدى ، و ربط على قلوبهم ، ليُـظهر - سبحانه - الحق على أيديهم و يجعلهم برهانا لآياته . فكم ضال نزع عن ضلالته ، و متشكك ابتعد و أقصر عن شكه ؟!
 
وثالثهما : تأثير هذا الجهاد على المسلمين الروس ، و خشية الشيوعية أن تنتقل العدوى إلى باقي المسلمين سواء في الاتحاد السوفييتي آنذاك أم غيره و قد كان !!
 
و رابعها : أن الأمة غدت هي التي تجاهد ، لا جماعات منعزلة عن جسمها ، أو منفصلة عنها 
و قد تحقق بفضل الله للثورة السورية كثير من هذه النتائج : 
فلم يعد حاجز الخوف قائما ، و قد كسرته الإرادة الشعبية !! 
 
و ظهر للعيان أن انتصار الثورة في سورية سيكون نقطة تحول تاريخية ! فقد برزت العودة إلى الله من خلال سلوكيات الشعب المُغيّب عن الإسلام و المُـحارَب بعقيدته ، و من خلال الشعارات المرفوعة التي تعتز بدينها و رسولها ، و من خلال الفتية الذين أذهلوا العالم ببطولاتهم و إيمانهم و صبرهم 
كما برز حجم خوف الأنظمة القمعية عربيا و عالميا من انتقال عدوى النهوض الشعبي في دولها و قد صرح مسؤول روسي أن نجاح الثورة السورية سيكون مؤثرا في الشيشان و القوقاز
كما غدا انخراط الأمة في الجهاد و المقاومة مَـعْلما بارزا بعد أن كان محصورا في نخبة ، أراد المجرم الأب حافظ الأسد أن يستدرجها و يجرها بعيدا عن أعين الأحرار و بتغطية من أسياده على جرائمه كما حصل في الثمانينيات في عموم سورية و في حماة بالذات .
 
فاليوم أصبح الشعب السوري كله إلا زمرا تقاتل مع الجلاد ستنتهي معه بإذن الله ، أصبح هذا الشعب بريفه و مدنه ، و مثقفيه و عامته ، برجاله و نسائه ، بعسكريه و مدنيه منخرطا في جبهة البنيان المرصوص ، لينطلق كل فرد منه ، فيعمل بحسب موقعه ، و وجوههم جميعا متجهة نحو هدف واحد : رضا الله تعالى و إسقاط النظام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين