أمثال عربية في الثورة السورية..

د. أحمد الفاضل

               ما أعظمك يا ثورتنا الأبـيـــة الزاهية الماضية مضاء السيوف..! لقد أنطقت البكم وأسمعت الصم وأريت العمي..وفجرت قرائح الشعراء والكُتّاب والأدباء..ستكونين برجالك ونسائك وشبابك وأطفالك وشهدائك..وأرضك وسمائك..ومدنك وبلداتك..وأناشيدك وأغنياتك..وأزاهيرك وياسمينك ووردك الجوري..وشجر غوطتك ونهرك بعد تطهيره من أرجاسهم وفسقهم..وقمحك في السهول..وزيتونك وتينك في الأودية والجبال..ستكونين كتاب الأدب والفن واللغة..ستحلين محل أدب الذين اغتالوا المواهب وقتلوها وحبسوا الإبداع إلا في تعظيمهم..الذين رفعوا غثاء الدجالين الساقطين من شعرائهم وأدبائهم ومغنيهم وراقصيهم وفنانيهم الذين يبيتون بين أقدامهم سجداً ويصبحون على أبوابهم واقفين..يؤلهونهم ويسبحون بحمدهم...!!

 

 لقد أطاحت الثورة ذلك الهذر والهراء والجُفاء,وارتفعت أقلام جديدة مخلصة صادقة كانت كريمة قبل الثورة لم تتدنس بمداد العصابة النجس وهي في الثورة سيوف مصلتة تضرب رقاب أفكارهم,ورماح مشرعة تطعن أكباد غثائهم..
 وفي هذه المقالة سأقف عند بعض الأمثال العربية التي تنطبق على أحداث ووقائع في الثورة السورية..فأقول:
 المثل في الأصل بضع كلمات طوت في حروفها قصة أو حادثة..وهذه الكلمات المعدودات تُذكر عند قصة أو حادثة مشابهة للأصل..فهي مثلها ولذلك سمي المثل مثلاً..
 

 _من هذه الأمثال قولهم:إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً.

 

 هذا المثل يضرب لمن يكثر منه الكذب حتى يُعرف به,لكنه مع كثرة كذبه كثير النسيان,ذاكرتُه غربالية لا تحمل شيئاً فهو يكذب وبعد سويعات يُحدث بخلاف ما نطق به..فيُفتضح أمره بين الناس! فيقال له هذا المثل.
 و(كذوب)صيغة مبالغة لكثير الكذب و(ذكور) أيضاً صيغة مبالغة في الذكر..فكأنهم يقولون له:إذا كنت مسيلمة الكذاب في زمانك فكن الفطن الألمعي في تذكرك..!
 بعد أن عرفنا معنى هذا المثل كيف نُلبسه العصابة الإجرامية وهل هو يكسوها_وهي العارية_كما يكسو الثوب البدن؟!
 والجواب:نعم وزيادة..فكذب العصابة وأبواقها لم يعرف التاريخ له مثيلاً حتى إن مسيلمة الكذاب_مدعي النبوة_صار في مقابلهم صادقاً..مقدماً عليهم في قبول الرواية..ولو قيل لمسيلمة هؤلاء حفدتك في الكذب,لقال متظلماً:لقد جُرتم في حقي..!
   هو ادعى النبوة ولم يدع الألوهية أما مسيلمات العصر فقد ادعوها وقتلوا منكرها أو المتأبي على نطقها..!
 
 وانظروا إلى إعلامهم في قناة الدنيا والسورية وإلى ألسنتهم الناطقة عنهم كشريف شحاطة وبسام أبو عبدالله وسائر الناهقين..تجدوا أن هذا المثل يقع عليهم كما يقع الحافر على الحافر..ولعل الناس لا ينسون ما قالته قناة الدنيا عن مظاهرة انطلقت من جامع الحسن في الميدان:إن المصلين خرجوا منادين بــــــ الله أكبر ويسقط النظام شكراً لله تعالى على انهمار المطر..!
 
 وأعظم ما ينطبق عليه هذا المثل انطباق الكف على الكف ما قاله زعيم الكذوبين من أنّ السلاح لم يُرفع إلا في رمضان أي بعد ستة أشهر من الثورة وكان من قبل قد زعم هو ولاعقو حذائه أن هناك مندسين وإرهابيين وعصابات تكفيرية والقاعدة..وأن عصابة مسلحة كدست السلاح في الجامع العمري ومعها أموال بالأرطال..ثم في غفلة وغباء أكذب نفسه وإعلامه بقوله:إن حمل السلاح كان في رمضان..إذن لم قتلتم أكثر من ستة آلاف من الناس؟!..لكنه كذوب غير ذكور..وأصابه المثل في مقتل فقيل له:إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً..
 
 

 _ومن الأمثال قولهم:إن البُغاث بأرضنا يستنسر.
 

 

 هذا المثل يضرب للضعيف الذليل الخوّار يصير قوياً,و(البغاث) ضعاف الطير,ومعنى(يستنسر)أي يصبح نسراً يتكلف النسورية والقوة..
وهذا المثل كالحافر للبغل الذي يحكي حافر النظام..فهو_أي النظام_وضيع حقير مهين لا يطرف له جفن أمام الأعداء وخاصة الصهاينة فقد قصفوا مواقعه العسكرية في أماكن عدة كتدمير المشروع النووي في دير الزور وتحليق طائراتهم فوق قصره وتصويره وهو شبه عارٍ..لكنه خنس وسكت وخبأ رأسه في التراب واستنعج للأعداء.. إذن هو بغاث..غير أنه استنسر واستأسد على بلاده وأهل وطنه فتحركت طائراته ودباباته تقصف وتدمر وتقتل في كل مكان..وهذا المعنى في المثل يشبه قول القائلة:
 
 أسد عليّ وفي الحروب نعامةٌ...فتخاء تصفر من صفير الصافر!
 
 وأسلحته التي اشتراها من جهد الناس وعرقهم,ليدافع بها عن الأمة والوطن بزعمه,تحوّلت إلى صدورهم,لأن القائمين عليها ومن يقودونها لئام ليس عندهم من الكرامة إلا اسمها..لذلك تخاذلوا وجبنوا أمام الصهاينة وولوا الأدبار وما زالوا..وصدق أبو الطيب حين قال فيهم:
    وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا...إذا لم يكن فوق الكرام كرام
 

 _ومن الأمثال قولهم:الصيف ضيّعت اللبن.

 

 وهذا المثل يضرب لمن يطلب شيئاً قد فوّته وضيّعه على نفسه من بعد,فيقال له هذا..و(ضيعت)بكسر التاء فهو خطاب للأنثى؛لأن القصة في الأصل كانت مع امرأة,والمثل لا يعتريه التغيير أبداً,فيقال للمذكر والمؤنث والمثنى والجمع..الصيف ضيعت اللبن.
 
 لكن كيف يقع هذا المثل على العصابة الرعناء؟!
 لقد نصح هذه العصابة كل ناصح من المخلصين حتى من غير المخلصين,لكنهم أبوا أن يُصيخوا السمع لأحد واستكبروا وتعالوا..وقالوا نحن نعلم الناس دروساً في الديمقراطية..واليوم يأكلون أصابعهم ندماً على تفويتهم تلك الفرص فقد كان فيها النجاة لهم بلا ريب..وإني لأعتقد أنهم يتمنون لو يرجع الزمان ويدور لكانوا قبّلوا يد الأتراك بل أرجلهم في خطتهم للإصلاح التي جاء بها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو..لكن الصيف ضيعت اللبن..وما فات مات..ولعل النظام أصغى لأربابه من الإيرانيين والروس فأضلوه السبيل,وقد قيل في المثل:ما أهلك الناسَ إلا الناسُ..وقيل أيضاً:على أهلها جنت براقش.. وبراقش كلبة أهلكت نفسها وأهلها..وقيل كذلك:دُهدُرين ياسعد القين..والمراد أن سعداً هذا قد جمع باطلاً على باطل وحمقاً على حمق..وكل هذه الأمثال تطأ بسنابكها رؤوس هذه العصابة الحمقاء..ويقال لهم:يداك أوكتا وفوك نفخ..
 
 _ومن الأمثال قولهم:لا تنفع العينان مَن مخه أعمى..وهذا المثل واضح جداً..وهو يصيب النظام كما يصيب خطباء السوء الذين من حوله..ففي كل يوم يزدادون ضلالاً وتيهاً عن الحق وهم يرون بعيونهم ما الذي يصيب الناس من المجرمين,لكن دون أن يتزحزحوا عن مواقفهم قيد أنملة..لماذا؟ لأن عيون قلوبهم عميت بل فقئت,فليس ينفعها البصر..لقد أسكرتهم خمر أبي الروقاء وهي ليست تسكر..!!
 ومن أجلِّ الأمثال وأجملها وأبلغها ما قاله تعالى في كتابه العزيز(وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
 
 هذه الآية غدت مثلاً يضربه الناس في السراء والضراء حتى غير المسلمين من العرب يحفظونه ويقولون به..نعم لقد عمت الضراء بلادنا الحبيبة فلم يخل منها بشر ولا مدر ولا حجر..هل هي شر محض؟ لا والذي نفسي بيده سيرى الناس خيراً عظيماً مخبوءاً في رحال هذه المصائب..يُنسيهم كثيراً من الآلام لكن لا يُنسيهم أحبتهم..وهل ينسى الحبيبُ الحبيبَ..؟!


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين