مفارقات بين ابتزاز الأقلية واعتزاز الأكثرية

أ.د.صلاح الدين سلطان 

ليس أسوأ في دول الربيع العربي من ابتزاز الأقلية، ويجب أن يقابله بكل قوة اعتزاز الأكثرية، لقد تعودت هذه القلة على أن تحكم البلاد بالحديد والنار والسيف البتار، فجاءت الثورة واقتلعت منهم الجذور، فتعلق هؤلاء بالقشور، وصاروا في كل بلد ينعقون بما لا يعقلون، ويرفعون أصواتهم التي لم تعرف إلا صوت النفاق لنظام كان لا يرحم من أبدى خلافه معه في الفروع لا الأصول، جاءت الثورة وكان أكثرهم لها بالمرصاد، ويلعنون شباب وفتيات الثورة، وكثير منهم لهم أقوال وأفعال مسجلة في كل مكان، "وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" (فاطر: من الآية14)، هؤلاء قد استقووا بالمجلس العسكري الذي أراد أن يستعيد سطوة النظام، بل أشخاص النظام السابق، وكثر ترددهم على مكاتب المشير، ودبروا بليل وتحركوا بالنهار لإدخال عمر سليمان ثم أحمد شفيق في حلبة المزاحمة السياسية من بوابة الديمقراطية التي تنكروا لها خلال ثلاثين عاما، فلم يطالب أحدهم يوما أن يعيَّن أو ينتخب نائب رئيس، ولم يقفوا أمام سطوة النظام وأولاده وزوجته على رقاب العباد، وانتشار الفساد، وزيادة الاستبداد، وإشاعة العداوات بين المسلمين والمسيحيين، وبيع الأغذية الفاسدة، وإصابة ثلاثة أرباع الشعب المصري بأمراض مزمنة وفتاكة، وفساد منظومة التعليم، وسطحية وتحلل الإعلام الذي لا يسبح إلا بحمد الطغاة أو الشهوات، وسرقوا الأراضي، ودعموا الكيان الصهيوني بما يقارب عشرة ملايين جنيه مصري يوميا، تخفيضا للبترول والغاز المصري لقتل إخواننا في فلسطين، والمشاركة في تمزيق وحدة العرب، ومطاردة الإسلاميين من أي بلد، والمحاكمات العسكرية الظالمة، والاعتقالات التي طالت فوق الخمسين ألفا، ولا يعلم إلا الله كم قتل من أبناء مصر على يد شياطين أمن الدولة وجهاز المخابرات، وهذا غيض من فيض من ألوان الفساد والاستبداد والظلم والقهر والطغيان، ولم نسمع من هذه الأقلية اليوم صوتا لمواجهة هذا الكم الهائل من الطغيان والفساد، وجاءت الثورة لترفع عن الجميع إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وبدأ الشعب مشوارا جديدا من الإصلاح والتغيير، والبناء والتعمير فوقف هؤلاء بالمرصاد أمام كل ما يؤدي بالبلاد إلى الهدوء والاستقرار.
لقد وصل هؤلاء في فجورهم أن كان بعض الوزراء يجاهرون بالإلحاد ويسخرون من القرآن والسنة، وكان مساعدوهم يعلنون السخرية من الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وامتلأت الأفلام بالسخرية من شعائر الإسلام وكانت هذه القلة المبتزة اليوم كأصحاب الموت الزئام أو أصحاب القبور فإن خرجوا فلا صوت إلا
النفاق.
 
هؤلاء لا يعدون النجاح إلا في مقاومة أهداف الثورة باسم الثورة، فنجحوا في إبطال قانون العزل السياسي وحل مجلس الشعب الذي انتخبه ثلاثون مليونا لأول مرة في تاريخ مصر، واعتز به الأغلبية لكنه إذ لم يأت بهؤلاء الأقلية ووجدوا أنفسهم يخسرون كل موقع في النقابات ومجلسي الشعب والشورى وانتخابات الرئاسة فلم يجدوا إلا التشويه والتقاط العثرات، وإخفاء الحسنات، وجعلوا من الحبة قبة، ولم يعوا الدرس إلى الآن، ولا تعنيهم مصر بأي حال، ففي يوم واحد في جريد الأهرام يوم السبت 25 ذو الحجة 1433هـ الموافق 10 نوفمبر 2012م نشر في صفحات الحوادث عن سقوط "توربيني" جديد حيث هتك عرض 18 طفلا، وفي بعض المرات كان يهتك عرض عدد منهم في وقت واحد، وصورة أخرى لشاب 15عاما قتله شباب من أجل سرقة المحمول، وضُبطت عصابة مافيا من طبيبين وممرضة، امتهنوا تجارة الأطفال من الأمهات اللاتي حملن سفاحا، وباعوا في عين شمس وحدها 300 طفل، وحادثة أخرى قتل فيها شاب في جامعة المنصورة لأنه حاول أن يمنع مجرما من التحرش بفتاة، وهناك عصابة أولاد الذوات لسرقة شقق الأغنياء، والفتاة الجميلة التي كانت تمارس الرذيلة بعلم زوجها ومباركته، وذهب لينكر أولاده أنهم ليسوا من صلبه، وأغرب من الخيال أن يقتل شاب في ريعان الشباب من أجل كلب جاء أحد البلطجية يريد أن يأخذه ليبيعه، والشاب الذي ذُبح وفصلت رأسه عن جسده لأنه اعتدى على ابنة عمه خيانة للعشرة، والأم التي حملت سفاحا ثم نزعت طفلتها من الرضاعة لتضع يدها على رقبة طفلتها حتى قتلتها خنقا لتتخلص من آثار جريمتها!.
 
هذه والله الجرائم المنشورة في يوم واحد في جريدة واحدة ناهيك عن الجرائم المستورة التي يمضغ أصحابها أقسى الآلام حتى لا تتضاعف عليهم ضغوط الأعراف الاجتماعية، كل هذا لا يشغل هذه الأقلية التي تناطح الدستور، وتسخر من إنجازات الرئيس، وتثبط أداء الحكومة، وتلطخ إنجازات الجمعيات الخيرية الكثيرة في مصر، فمصر الكبيرة الأكثرية فيها من أهلنا الطيبيين، وعلمائها المتميزين، وخطبائها المستنيرين، وتجارها الصدوقين، ونسائها العفيفات، ورجالها من ذوي المروءات، وشبابها من ذوي الكفاءات، فهؤلاء يريدون الإسلام حلاَّ، ويعتزون بهذا الدين الذي حرموا من تطبيقه عشرات السنين وتنفسوا الصعداء لإزاحة عصابات من أكابر المجرمين، وهؤلاء من الأكثرية لابد أن يحموا ثورتهم، وأن يلتفوا حول شرعيتهم، وأن يضاعفوا إنتاجهم وأن يتمسكوا بقول الشيخ الشعراوي: "إن الثائر بالحق الذي يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليصنع الأمجاد"، هؤلاء لابد أن يكونوا دائما على أهبة الاستعداد للحفاظ على مكتسبات ثورتهم، والوفاء لدماء شهدائهم، وتخفيف معاناة جرحاهم فيعلنونها قوية مدوية معبرة عن اعتزاز الأكثرية بدينهم وقيمهم وأخلاقهم وولائهم لبلدهم، وحرصهم على مستقبل أمتهم، في مواجهة ابتزاز الأقلية الذين لم يلجؤوا يوما إلى الشعب، بل إلى النصب، ولم ينزلوا إلى الميدان وإنما استقووا بالخارج، والمفسدين من بقايا النظام السابق من رجال الأعمال، وجهاز القضاء، وفلول الإعلام، وعصابات البلطجية، واستغلوا عدم وجود قانون "من أين لك هذا؟"، وقد أقسم لي في الطائرة موظف كان يعمل مع هؤلاء الكتاب الكبار الذين يبتزون بالليل والنهار أنه كان يكتب المقال وعلى حجره تجلس فتاة وراء أخرى، ويطبعون القبلات على وجه الكاتب المبدع، أما كؤوس الخمر فحدث ولا حرج، واستحلفته في الطائرة نحن معلقون بين السماء والأرض، فإياك والبهتان، فأقسم بالله ثلاثا قائلا: لقد تبت إلى الله من العمل مع هؤلاء، ولقد رأيت رأي العين ما استحي من ذكره، وأنه ترك العمل رغم سيل الأموال التي تنفق على الكتاب المبتزين المضللين ومن عاونهم.
 
يا قوم مصر ليست ألعوبة لابتزاز الأقلية من القضاة والإعلاميين والكتاب والصحفيين والبلطجية ولابد من اعتزاز الأكثرية بربهم ودينهم وعروبتهم ووطنهم، وليمضي الدستور إلى استفتاء الشعب ليظهر اعتزاز الأكثرية بمصر الجديدة ودستورهم الذي يحفظ الحرمات، ويفجر الطاقات، ويطارد الاستبداد ويحاصر الفساد، ويساعد البلاد والعباد للوصول إلى نهضة وحضارة إسلامية تقود المنطقة كلها والعالم إلى رشده.
فيا معشر الأكثرية احتشدوا يرحمكم الله اعتزازا بدينكم ووطنكم ولا تستسلموا لابتزاز الأقلية الذين يصدق فيهم قول الله تعالى: " وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" (الواقعة:82).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين