فقه الإصلاح سوء فهم للاسلام

 
 
 
ماهر سقا أميني
 
ينظر الغرب إلى الدين بوصفه تجربة روحية وفي أحسن الأحوال بوصفه اعتقاداً شخصياً قد يفرض على صاحبه سلوكات خاصة، في حين أن (الإسلام) إضافة إلى كل ذلك هو شريعة لادارة الحياة على المستوى الفردي والجماعي، بمعنى أن الإسلام هو نظام أخلاقي واقتصادي واجتماعي لا يقبل الاقصاء ولا التجزئة، ويصر كثيرون من أبناء جلدتنا على إعادة وضع الإسلام ضمن الأبعاد الغربية السابقة بوصفه شأناً شخصياً يجب ألا يتدخل في الحياة العامة رافضين مايسمونه بأسلمة الحياة، سيما أن المجتمع قد يحوي أشخاصاً غير مسلمين، معتبرين أن هذه الأسلمة لا تتفق مع حقوق الإنسان وحرياته، ومن جهة أخرى يذكر هؤلاء (الخطر الطائفي) فيما لو خرج الدين من الحياة الخاصة إلى العامة، وبالتالي فإن الخيار الأصوب - في رأيهم - هو أن يعيش كل امرئ دينه بنفسه وفي حياته الخاصة من دون أن تظهر ملامحه أو آثاره أو سلوكاته عليه بمجرد أن يخرج من بيته أو مسجده .
 
 
والحق أن هذا الطرح يقوم على مغالطة كبيرة وسوء فهم للإسلام، فالإسلام هوية واعتقاد ومشاعر وعلاقات وسلوكات ومواقف واتجاهات، ويصعب أو يستحيل تجزئة هذا الكل أو تفتيته أو تعطيل بعضه، ولا يقدر مسلم على أن يوقف تنفيذ بعض هذه الجوانب بمجرد خروجه من بيته ومساهمته في الحياة العامة .
 
 
من جهة أخرى فإن الإسلام كشريعة وكطريقة حياة وكخيار أخلاقي وسلوكي هو خيار الأغلبية المسلمة في الدول التي توجد فيها، فليس حقاً أن الإسلام يفرض في هذه الدول فرضاً على الناس ولا يوجد إسلامياً مايلزم شخصاً بأن يعيش عكس قناعاته وخياراته، بل إن الله عزوجل لا يقبل منه مثل هذا، أما غير المسلمين فالإسلام لا يتدخل في إدارة حياتهم إلا ما كان من باب عدم الإفساد وشيوع الفاحشة والمنكر والاصطدام مع القيم الجمعية للأغلبية المسلمة، وهذا حق لكل أغلبية تعيش في مجتمع من المجتمعات، ونحن اليوم نشهد في ما يسمى بالدول الديمقراطية إكراهات للمسلمين يمكن القول إنه ما من غير مسلم يعاني من مثلها في الدول الإسلامية، أما ما يتصل بالخطر الطائفي فإن الطائفية هي مرض غير المتدينين حقيقة، ذلك أن روح الدين الحقيقي وعلمه وخلقه لا يسمح بالطائفية وغلوها، وقد أكدت الدراسات والملاحظات أن من ينخرطون في العنف الطائفي أغلبهم يعانون من مشكلات حقيقية في تدينهم من حيث المعلومات والعواطف والالتزامات السلوكية .
 
 
إن حل (الإشكال الطائفي) لا يكون بإقصاء الدين - الذي هو بحكم المستحيل - بقدر مايكون بإرساء التدين الحقيقي النموذجي بكل أخلاقه وسماحته ورفقه .
 
 
من جهة أخرى وبعيداً عن الشعارات والعناوين الكبيرة، لماذا لا نحول أسلمة الحياة إلى تفاصيل نتفق أو نختلف عليها؟ فقد لفت انتباه أحد العلمانيين ذلك الزهد المبالغ فيه في التراث الفقهي والقانوني والأخلاقي الإسلامي حتى قال إن العلماني الحقيقي لا يتخلى عن هذا التراث ولا يدير له ظهره، مشكلتنا أننا نقف عند العناوين الكبيرة، في حين أن تحويل هذه العناوين إلى برامج عمل وإلى تفصيلات في القيم والسلوك وإدارة الحياة والتنمية يحل كثيراً من الاشكالات، ويرى علي عزت يبجوفيتش أن التوازي بين النافع والأخلاقي هو بجدارة ما يمكن اعتباره المدخل الإسلامي، وهذا هو المقصود بالفطرة التي فطر الانسان عليها والتي يسعى الإسلام لصونها والمحافظة عليها، ويقول العلماني السابق: لماذا يعتمد هؤلاء العلمانيون على القانون الفرنسي أو العثماني أو الروماني ولا يجدون ضيراً في ذلك ويبالغون في إقصاء التشريع الإسلامي بكل غناه وتجاربه التي أثبتت جدواها على مدى قرون؟ إن (الجدوى) العملية ليست موضع خلاف بين جميع الفرق والمدارس والاتجاهات، ولابد من تحكيمها في كل تفصيل من حياتنا، وسيجد الجميع أن الإسلام ليس مجرد شعارات كما يزعم البعض، وأن كل ما هو مطلوب تحويل تعاليمه إلى برامج عملية تلزم الجميع .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين