لعل أكثر ما نحتاج إليه في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها الحبيبة سوريا هو الاستفادة من أخطائنا وتدارك العثرات وتجنب الحفر التي وقعنا فيها قبل الثورة أو خلالها واحدة تلو أخرى .
وقد تناولت في مقالة سابقة بعنوان " الفوتوشوب " غباء النظام الالكتروني وجهل عناصره وحماقة ضباطه التي باتت معروفة لنا جميعا ............
 
وحتى يكون الحق موجهنا و العدل رائدنا و الموضوعية منهجنا وجدت ومن باب الإنصاف أن أفرد مقالتين أتناول فيهما تلك الزلات القاتلة التي ما برحنا نقع فيها واحدة بعد أخرى لعلها تكون لنا الآن مرآة تعكس الواقع فتكون سببا لاستقامتنا وتصحيح مسارنا .......
 
ومن هنا بالتحديد أطرح سؤالا ربما سأله الكثيرون ممن قرأ مقالة " الفوتوشوب " :
وهو : إذا كان النظام بهذا الجهل والغباء والحماقة فلماذا هذا الكم الهائل من الأسرى في تلك السجون على مر كل هذه السنين ؟؟؟؟؟؟؟
و إذا كان النظام بالفعل بهذا الجهل و الغباء و الحماقة فأين هو ذكاؤنا ؟؟؟؟؟
ولماذا لم نستخدمه ؟
ولماذا لم نستغل ذلك الغباء ؟
هذه التساؤلات تجيب عنها مواقف أذكر بعضها هنا و أدع بعضها للمقالة القادمة تفسر لنا سر ذلك الازدحام العجيب في تلك السجون بالرغم من غباء ذلك النظام و أبدأ بــــ :
 
الموقف الأول :
وأقف هنا مع الأخ إبراهيم الذي كان ينشئ خلية تابعة للإخوان المسلمين داخل سوريا كان الأخ إبراهيم يتواصل مع الجماعة من خلال مقهى للأنترنيت .
وكل ما أستطيع إيجازه عن هذا الرجل أنه لم يحسن اختيار عناصره إذ لم يكن أحدهم يحمل سوى الشهادة الابتدائية كما أنهم لم يكونوا أهلا لخوض هذه المغامرة لذلك لم يلبثوا أن انقلبوا على إبراهيم بعد دخولهم السجن .....
 
والمهم في قصة هذا الرجل أنه كان يتواصل مع الجماعة عبر المقهى لمدة لا بأس بها من الزمن وبعد فترة اكتشف صاحب المقهى أن إبراهيم يتواصل مع جماعة محظورة لذلك توجه إليه الرجل وطلب منه البطاقة الشخصية ( الهوية ) .
 
استطاع إبراهيم أن يدفع الرجل و أن يهرب إلى خارج المقهى ومضى ذلك اليوم بسلام لكن الأمور مالبثت أن انعكست قي اليوم التالي عندما مر  إبراهيم من أمام ذات المقهى ليجد رجلا آخر في داخله فدخل ومارس نشاطه كالعادة وبعد نصف ساعة كان إبراهيم معتقلا لدى الأمن السياسي.
 
 قد تبدو الأمور إلى الآن طبيعية عادية لكن الأمر غير الطبيعي أن الأخ إبراهيم كان يحمل في جيبه ورقة بأسماء الشباب الذين قام بتنظيمهم داخل القطر وبالتالي وفر على النظام عناء التعب في التحقيق واختصر الطريق لهم  وقدم رفاقه لقمة سهلة سائغة للأمن ليحاكم بعدها إبراهيم 12 سنة في محكمة أمن الدولة
 
الموقف الثاني :
أما الموقف الثاني فهو مع الأخ أبو سليمان أحد القادة العسكريين في تنظيم فتح الإسلام  الذي قام بشراء عدد كبير من شرائح الهاتف من مكان واحد لأكثر من مرة  مما أثار شك صاحب المحل الذي قام بالإبلاغ عنه وعند محاصرة الأمن السياسي لأبي سليمان في كمين أعد له أشهر أبو سليمان مسدسه في وجه الدورية التي فرت هاربة باستثناء قائد الدورية الذي وضع أبو سليمان مسدسه في رأسه وهو يقول عبارة " لا تتحرك و إلا أطلقت النار " مدة 10 دقائق حتى جاءت امرأة في الشارع وقالت له " يا بني لا تتسرع و ألق المسدس ...ياولدي سلم نفسك "
وبالفعل ألقى أبو سليمان المسدس أمام قائد الدورية الذي حمل المسدس ووضعه في رأس أبي سليمان واقتاده إلى السجن ليبقى ما يقارب 5 سنوات
 
الموقف الثالث :
مع الأخ خلف الذي مضى للعراق مجاهدا بعد الغزو الأمريكي ثم عاد بعد فترة كسائر الناس الذين عادوا فتم توقيفه شهرا من الزمن ثم أطلق سراحه إلا أن المجموعة التي قامت بتهريبه إلى العراق أبقت على بطاقته الشخصية بحجة أنه يتم التحضير للإعلان عن دولة إسلامية داخل سوريا وفي حال تم ذلك فسيتم توزيع الرواتب على المجاهدين السابقين إلا أن دولة الأسد كانت أسبق إليهم فداهمت المقر وتمت مصادرة المحتويات مع البطاقة الشخصية للأخ خلف وعدد من رفاقه  الذين ثبتت عليهم تهمة القاعدة ويبقى  خلف  4 سنوات داخل السجون البعثية
 
الموقف الرابع :
وبطله حسين الحريري الذي كان يؤسس لمعسكر للمجاهدين في صحراء اللجاة لإرسالهم إلى العراق فاستطاع النظام اختراقه قبل أن يجري أي شيء على أرض الواقع بسبب ثرثرته ولا مبالاته و استطاع المخبر أن يسجل أكثر من 10 سيديات صوتية له وتم اعتقاله من أمام مسجد في دمشق في طريق ذهابه للعراق وفي جيبه أيضا ورقة بأسماء الشباب الذين استطاع تجنيدهم في المعسكر المزعوم وتم الحكم عليه 6 سنوات ليخرج بعفو الـ(2011 ) وليتم القبض عليه بعد أشهر من خروجه ومعه مبلغ مليون ليرة بهدف شراء السلاح وبنفس الطريقة السابقة ولكن مع هدية للنظام مبلغ مليون ليرة سورية
 الموقف الخامس :
وهنا أقف مع حمزة الذي ألقي القبض عليه مع 9 من رفاقه بتهمة الانتماء للإخوان المسلميين حمزة هذا من أكثر الشخصيات  التي قرأت عن أساليب النظام وحيله وعندما وقف أمام المحقق قال له المحقق " راقبنا الأنترنيت ووجدنا أنك تتراسل مع جماعة الإخوان المسلمين " فأجابه حمزة " ليس أنا وحدي من يفعل ذلك يا سيدي بل فلان وفلان أيضا  وهما من المنطقة الفلانية و ... وسرد السيرة الذاتية لهذين المسكينين " 
 
كما تمت مصادرة 400 قرص سيدي من منزله والكثير من الكتب التي يصنفها النظام تحت عنوان ممنوعة والتي كان حمزة يحتفظ بها على رف مكتبته الشخصية بعد أن اخذ عن هذه السيديات نسخة احتياطية على كمبيوتره الشخصي
 
الموقف السادس :
مع الأخ باسل الذي كان يؤم الناس في صلاة الفجر في أحد المساجد فقنت في الناس داعيا " اللهم انصر المجاهدين في الشيشان والعراق و أفغانستان وبلاد الشام " من أجل كلمة بلاد الشام سجن هذا الرجل سنة ونصف مع احترامي له إلا أنني أرى أنه كان بالمقدور الاستغناء عن هذه العبارة و البقاء سالما خارج سجون الأسد .
 
الموقف السابع :
جلست مع أبي البراء الذي سجن 4 مرات منذ العام 99 سألته مرة ما الذي اختلف عليك في كل هذه السنوات فأجابني لم تختلف إلا الوجوه أما القضايا و الأخطاء فهي هي لم يتغير شيء
 
أخيرا :
ليست هذه المواقف إلا بعضا مما عاينته وقليلا مما شاهدته ولعل هذه المواقف التي ذكرتها تحمل بين طياتها إجابة عن كل تلك التساؤلات و أرجو من الله أن يجعل لقرائه فائدة تفهم من خلالها ماضينا قبل الثورة فتكون سببا للعمل بإخلاص وجد و إصرار على إتمام الثورة حتى نصل إلى بر الأمان بطريقة صحيحة وفكر سليم .....
 
المقالة القادمة بعنوان " ليس بأمثال هؤلاء تقوم الدول "


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين