المرأة في بلاد الصين8 - المرأة قبل الاسلام
المرأة في بلاد الصين
ـ 8 ـ
بقلم: حاتم طبشي
 
تقول الفلسفة الصينية القديمة : إن الكون خاضع لسلطة نظامين متعارضين هما : (يانغ)   و  (يين) ، ف(يانغ) هو : مبدأ الذكورة ، وهو العنصر الإيجابي ، والقوة الخالقة ، ومنه الشمس والنار ، وكل عناصر النظام الأخلاقي العليا ، ويخضع له ويرتبط به كل ما هو نبيل ، وأولها السماء ، وهي ترمز إلى الأب .
أما (يين) فهو مبدأ الأنوثة ، وهو العنصر السلبي ، ويشمل القمر والمخلوقات الدنيا والأرض التي هي الأم .
والمنطق الصيني يعتبر أن (اليين) و(اليانغ) يكمل بعضهما الآخر ، فموقع الزوجة السليم صلتها بشؤون الأسرة الداخلية ، وموقع الزوج السليم صلته بشؤونها الخارجية ([1] .)
وكانت المرأة تتمتع عندهم بمكانة مرموقة ، حتى جاءت مرحلة العبودية ، وأصبحت المرأة خاضعةً لقانون الطاعات الثلاث الذي كان يسود الحضارات الشرقية القديمة ، وهو : إذا كانت المرأة شابةً عليها أن تخضع لأبيها ، وإذا تزوجت خضعت لزوجها ، وإذا ترملت خضعت لولدها ، وكانت ولادة الأنثى تسبب درجةً كبيرةً من الرعب ، فهي ليست عضواً في سلالة والدها ، لأنها سترسل عروساً إلى عائلة أخرى بمجرد أن يصبح سنها مناسباً لقيامها بالحد الأدنى من العمل ، ومنذ طفولتها تتربى على دونيتها المطلقة ، فهي مطالبة بالصمت والانزواء ، وما أن تبلغ العاشرة حتى تسجن في البيت فلا تغادره ، وعليها أن تقنع بأن النساء دائماً ملوثات ، وأن الآلهة تنتقي النساء الأقلَّ دنساً ([2] )
يقول الأديب والمفكر الصيني فوهسيوان : ما أحزن أن يكون الإنسان امرأة ؟ فليس في الدنيا ما يحتقر مثلها ، الصبيان يقفون كآلهةٍ  نزلت من السماء ، لكن ولادة بنت لا تسعد أحداً ، والأسرة تعاملها معاملة الكم المهمل ([3]) .
كانت تسود الصين في تلك الفترة ثلاث ديانات : " لاوتسو " و"البوذية" ، وديانة : "كونفوشيوس" ، تحولت جميعها إلى وثنيات تعبد الأصنام وتمجدها وتقدسها ، وخاصةً البوذية التي غمرت حياة أتباعها أصنام بوذا والمنتشرة بكافة الأحجام وفي كل مكان .
        ديانة لاوتسو : فمع كونها تعنى بالنظريات ، إلا أن أتباعها كانوا متقشفين زاهدين ، لا يتزوجون ولا ينظرون إلى المرأة ، ولا يتصلون بها ([6]) .
وكان للقانون الأخلاقي الصيني الصارم الفضل في الحفاظ على عفة الفتاة ، واعتبارها من الفضائل السامية ، فكان الآباء يحرصون على بناتهم ، فالبنت تُدَرَّبُ على أن تكون حييةً عفيفة مطيعة ، وبعد الزواج تكدح كدحاً في خدمة زوجها وأمه ، حتى يحين الوقت الذي يحررها فيه الموت من هذا الاسترقاق ، أو يتركها على استعداد لأن تفرضه هي نفسها على زوجات أبنائها ([7] .)
ثم تحوَّل الحال وأصبح المجتمع الصيني يفتقر إلى الحشمة والحياء ، وظهر تيار فكري موازٍ لما دعا إليه مزدك في إيران ، من الفوضى في العلاقات الجنسية ، واضطراب في العلاقات الأسرية ، فأحجم الكثير – نتيجةً لذلك – عن الزواج ، واستعاضوا عنه بالخليلات والمومسات ، حتى وصلت هذه الأمور بالأمة إلى الحضيض .
وفي المجتمع الصيني القديم صاحب الحضارة العريقة ، جرى العرف العام على عدم توريث المرأة ، كما أنه ليس لها أن تطلب من مال أبيها شيئاً ، على عكس الذكر من الأولاد ([8]  . )
وعلى الرغم مما تقدَّم من احتقار الأنثى وازدرائها في المجتمع الصيني القديم ، فقد تسلمت كثيراً من المناصب إلى أن حكمت الصين ولمدة خمسة عشر عاماً الأمبراطورة :
" لو " ، من عام 195 قبل الميلاد ، إلى العام 180 قبل الميلاد ، وكانت قاسيةً جداً حيث قتلت منافسيها ، ودسَّت السُّمَّ لأعدائها ([9] . )


[1] - كتاب : المرأة والأسرة لعبد الهادي عباس (2/615) .
[2] - كتاب : عمل المرأة بين الإسلام والديانات الأخرى (1/53) ، وتنتقي هنا أي تدنيها وتقربها وترضى عنها .
[3] - المرأة والأسرة (2/619) .
[4] - زعيم الصين والمربي الكبير ، ظهر في القرن السادس قبل الميلاد .
[5] - قصة الحضارة ، وول ديورانت ( 4/272)   .
[6] - باختصار وتصرف من كتاب : نساء حول الرسول ، ص : 21 ، وكتاب : ماذا خسر العالم ، ص : 45 .
[7] - المرأة والأسرة (2/619) .
[8] - نساء حول الرسول ص 20 .
[9] - المرأة والأسرة (2/629)
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين