من العبد الذليل إلى الرب الجليل - مناجاة
من العبد الذليل إلى الرب الجليل
 
أ. د/ محمد سعيد رمضان البوطي
مولاي! وهل لي في الكونكله مولى سواك؟؟

ومع ذلك فإني لم أرفع إليك رسالتي هذه،أستنزل بها الرحمة من لدنك، بحال هؤلاء المستضعفين والمظلومين المنكوبين من عبادكالمسلمين لك والمؤمنين بك.. فأنا لا أشك في أنك حفيّ بهم ورحيم بهم، وفي بيانكالمنزل ما يكشف عن وجه الحكمة التي فيها كل الرحمة فيما قد قضيت به. ألست أنتالقائل {وَتِلْكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِوَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُلا يُحِبُّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَالْكافِرِينَ}
ولكني رفعت إليك رسالتي يا مولاي لخطب أشد، ولمصيبةأدهى وأطمّ.
إنّ سدنة الإسلام من قادة المسلمين اليوم قدتجردوا من خِلْعَةِ الشرف الذي متعتهم به يوم وكلت إليهم حراسة دينك، وعهدت إليهمبالذود عن حقائقه ومبادئه!
لقد تحولوا من عبادتك إلى عبادة كراسيهم أو عروشهم،واستبدلوا بالذود عن دينك ذودًا تافهًا عن ساعات لهوهم وصناديق ثرواتهم.. فهاهماليوم، وقد ركبهم الذل وأحاط بهم الهوان، حتى صغروا في كل عين، واتجهت إليهم سهامالهزء والسخرية من كل حدب وصوب.
إنك تعلم يا مولاي أن هذا الهوان الذي يرتديقادة المسلمين اليوم مِزَقَهُ، هو الذي استخرج العدوان الذي ظل دفينًا في صدورأصحابه الصليبين المتهودين على الإسلام وكتابه، وعلى الإله الذي أنزله، وظلوايتربصون به غِرَّةً، وينتظرون لإعلانه فرصة.
أجل يا رب! إن هذا الهوان الذييصطبغ به قادة المسلمين، هو الذي وضع (الصليبية المتهودة) أمام غرتهم المنتظرة،وأنجدها بفرصتها المناسبة، فاستعلنت بالعدوان الدفين، وألبست الإسلام من نسيج حقدهاالوحشي عليه قميصًا أسمته "قميص الإرهاب"، ثم إنها جعلت منها دليل التجريم له،وسرعان ما أعلنت في الأوساط كلها حكم القضاء بالموت عليه! فما هو إلا أن تحولالقميص الذي نسجه زفير الحقد على الإسلام، تحت سمع العالم وبصره، إلى القميص الذيينفذ فيه حكم الإعدام!
فتلك هي خلفية التنكيل المتلاحق بالبرآء على أرض فلسطين،وتلك هي خلفية الاحتلال الوحشي الأرعن للعراق، وتلك هي الخلفية الكامنة وراء بسطالنفوذ الاستعماري الهمجي على أفغانستان!
مولاي.. إنني لا أندب في رسالتي هذه التيأرفعها إليك ركام القتلى من عبادك المؤمنين المظلومين هنا أو هناك.. ولم أقصد أنأجعل منها لغة جزع عليهم، فأنا أعلم أنك اصطفيتهم شهداء عندك، وتلك هي سنتك الماضيةفي عبادك، ولكني أرفع رسالتي هذه إليك - وهي ترتفع إلى علياء ربوبيتك من كل عبدمؤمن بك، باق إلى هذه الساعة على العهد - أستنزل فيها النصر لدينك، والحمايةلقرآنك، والدفاع عن الحق الذي يراد خنقه.
لقد بلغت القِحَةُ بأعدائك أنهم ألبسوا دينكالسمح كسوة الإرهاب، ونعتوا قرآنك بالدعوة إلى سفك الدماء البريئة والخوض فيها،وأطلقوا على قيوم السماوات والأرض، منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اسم "الشيطان"!
أَطْغَتْهُم قوتك التي متعتهم بها، وأسكرتهم نعمك التي أغدقتهاعليهم، فهاهم أولاء قد أعلنوا الحرب على ذاتك العلية، يسعون سعيهم اللاهث إلى محوالإسلام من العالم، واجتثاث عقائده ومبادئه من مهاده وأوطانه!
وأنا على يقين- يا مولاي- أنه ليس في ملكك ولا ملكوتك مَن يملك القضاء على دينك الذي أرسلت بهالرسل والأنبياء جميعًا، لتظهره على الدين كله.. كيف، وأنت القائل{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُمُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ}
ولكني أعلم أنه لايتحقق إسلام بدون مسلمين، وإني لأخشى أن يصدق على الكثرة الكاثرة من هذا الزبدالإسلامي الطافي قولك في بيانك المنزل على نبيك المرسل{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لايَكُونُوا أَمْثالَكُمْ}
إنني أجعل من إقبال شهرك المعظم هذا شفيعًابين يدي رجائي الذي أتوجه به إليك توجه البائس المسكين الذي ذلت لك عنقه، وفاضت لكعبرته، سائلاً أن تَهَبَ هذا الغثاء الكثير والكبير من المسلمين للقلة المبثوثةفيما بينهم، والتي لا تزال على العهد، تُجاهد في سبيلك، وتبذل النفس والنفيس منأجلك.
إنهم- يا رب- قلة.. ولكن الواحد منهم مضروببخمسين من أصحاب نبيك المصطفى عليه الصلاة والسلام، لأنهم- كما أكد وأخبر- لا يجدوناليوم على الحق أعوانًا، كما كان أصحابه يجدون، إنهم قلة على أرضك التي كثرت فيهاالفتن وانتشر فيها الزيغ.. ولكنهم كثرة في سماء مرضاتك وتوفيقك، وعلى صعيد نصركوتأييدك.
فاجعل اللهم منهم شفعاء، تصلح بهم حال عبادك المسلمين، وتلهمهم عودًاحميدًا إليك، واجعل اللهم منهم جندًا تنزل عليهم سكينتك، وتؤيدهم بخوارق نصرك،وتقبل دعاءهم الصاعد إليك، على أكفهم المبسوطة إليك بالذل، واستجبه بمنّك وفضلك،عاجلاً غير آجل.
إنهم ليقولون- وإن أعينهم تتطلع إلى سماءكرمك بالذل والانكسار- اللهم يا منزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا هازم الأحزاب،اهزم الطغاة الذين أعلنوا الحرب على إسلامك وقرآنك. اللهم أهلكهم بِدَدًا، ولا تبقمنهم أحدًا، واشف اللهم بذلك صدور قوم مؤمنين.
وأنا- يا مولاي- عبدك المذنبالمسرف على نفسه، أقف من ورائهم، داعيًا بدعائهم مؤمِّنًا على رجائهم
.
وهذه- ياأحكم الحاكمين- رسالتي أرفعها إليك على الغمام، مع دعاء الثكالى والمظلومين؛ فهل مناستجابة عاجلة، يا أرحم من سُئل، ويا أكرم من أعطى؟
عبدك المعتزّ بذلِّ عبوديته لك.. محمد سعيد رمضان البوطي
من موقع إسلاميات
 
أرفع إلى سماء عزتك رسالتي هذه، لا باسمي فقط، بل باسمكل عبد يدين بذلّ العبودية لك، وهم اليوم في جنبات الأرض كثير، وإن كانوا قلة بينالكثرة التي شئت أن يكونوا غثاءً كغثاء السيل.
جرّأني على رفعها إليك عودةالشهر الذي جعلته وسيط قبول منك لعود حميد منّا إليك، وشفيع سوء كثير بدر مناتجاهك.. بل عهدي بهذا الشهر أنه كان ولا يزال ميقات تأييد منك لعبادك المستضعفينوالمظلومين في جنبات الدنيا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين