إلى مأدبة الله عز وجلّ 26 -سورة القمر

الشيخ مجد مكي
قصة لوط عليه السلام :
 ثم ذكر قوم لوط وما جرى عليهم ، فقال :
[ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)]
 كذَّبت جماعة لوط بإنذارات رسولهم المعجَّلة في الحياة الدنيا، والمؤجَّلة إلى يوم الدين.
[ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) ]
 إنا أرسلنا عليهم ريحاً شديدة بلغت من شدَّتها أن تحمل الأحجار الصغيرة من الأرض، وترميها في الجوِّ، ثم تهوي بها على من نريد تعذيبهم، إلا لوطاً وابنَتَيْه، أنقذناهم بالخروج من تلك المدينة قبل نزول العذابِ في آخر الليل.
[ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) ]
نجيَّنْا آل لوط نجاةً تفضلاً بالخير منا عليهم، كما أنعمنا على آلِ لوط برحمتنا ، كذلك نَكافئ ونثيب من شكر نعمتنا بالإيمان والطاعة، واستحضر تلك النعمة في نفسه وأقرَّ واعترف بها ، وأثنى على المنعم بالقلب واللسان والعمل .ثم فصّل سبحانه ما حصل ، فقال :
[ وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)]
ونؤكِّد تأكيداً بليغاً أنَّ لوطاً خوَّف قومَه بأننا سنبطش بهم بطشة انتقام كبرى، إذا لم يقلعوا عما هم فيه من كفر وفُحش، فتجادلوا وكذَّبوا بالإنذارات التي كرَّرها عليهم لوط. ثم بين سبحانه جرمهم الفظيع الذي استحقوا به تعجيل العذاب ، فقال :
[ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)]
ونؤكِّد أيضاً تأكيداً بليغاً أنهم طلبوا منه مرارا أن يُسَلِّم إليهم أضيافه ؛ ليفعلوا الفاحشة بهم، فصيَّرنا أعينهم كسائر الوجه، لا يُرى لهم شقٌّ، فقلنا لهم على ألسنة ملائكة العذاب : قاسوا وتحسَّسوا بكل جوارحكم تعذيبي وما أنذركم به لوط من العقوبة الشديدة. ثم بيّن سبحانه ما حصل بعد ذلك مبيِّنا وقت نزول العذاب بهم، فقال :
[ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)]
ونقسم مؤكِّدين أنه جاءهم في وقت الصبح من أول الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس بقليل عذابٌ دائم استقرَّ فيهم، حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة، فتجرَّعوا عذابي وما أنذركم به لوط عليه السلام.
 ثم كرر سبحانه الجملة القسمية للمرة الرابعة تقريرا لما سبق من قوله : [ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) ] تنبيهًا على أن كل قصة مستقلة بإيجاب الاعتبار ، وكافية في الازدجار ، والكف عن الكفر والمعاصي .
[ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) ]
واللَّهِ لقد سهَّلنا القرآن للعظة والاعتبار، فهل من مُتَّعظ به؟!
 
قصة آل فرعون :
 [ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) ]
ونقسم مؤكِّدين أنه أتى أتباعَ فرعون (ملك مصر في عهد موسى ) وقومَهُ إنذارُنا بالعقوبات المُعجَّلات في الدنيا، والمؤجَّلات إلى يوم الدين على لسان موسى وهارون فلم يؤمنوا.
[ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ(42) ]
كذَّب فرعون وجنوده وأتباعه من شعب مصر بأدلتنا التسع كلها، القاطعة على صدق رسالة موسى عليه السلام، ( والآيات التسع هي : اليد والعصا والسنون الشديدة وطمس الأموال ، والطوفان والجراد والقمَّل والضفادع والدم ) وجحدوا أنها معجزات ربانية ، تثبت صحّة الرسالة وصدق الرسول، فعاقبناهم انتقاما، وأخذناهم بالعذاب أخْذَ قويٍّ لا يغلب ، ذي قدرة بالغة على إهلاكهم لا يعجزه شيء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين