إلى مأدبة الله عز وجلّ 25 -سورة القمر

الشيخ مجد مكي
قصة عاد قوم هود :
 [ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)]
كذَّبت عاد رسولهم هوداً، فعاقبناهم، فعلى أيِّ حال كان هول تعذيبي الذي ارسلته عليهم ،وصدق تهديدي لهم بالعذاب قبل وقوعه؟ ثم فصَّل سبحانه هذا العذاب بقوله :
[ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)]
 إنا وجّهنا وأطلقنا عليهم ريحاً شديدة الهبوب والبرودة، في يوم جَهْد وضُرٍّ وعذابٍ قوي مُتكرِّر، دام عليهم سبع ليال وثمانية أيام حتى استأصلهم، واتّصل منه عذابهم الدنيوي بعذابهم الأخروي . والمراد باليوم هنا: جنس اليوم ، فيشمل الأيام المتعددة ، وهي ثمانية كما في الآية 7 من سورة الحاقة .
ثم ذكر لهذه الريح صفتين بارزتين ، فقال:
[ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)]
 تقلعهم الريح من مواضعهم على الأرض لشدتها، ثم تطرحهم على الأرض تبدو أسافلهم قد بليَتْ بصورٍ قبيحةٍ تشمئزُّ منها النفوس، وتنفر منها العيون، كأنهم أصول نخل منقلع من أرضه، وبانقلاعه تظهر أسافله ذوات المنظر القبيح.
[ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)]
فعلى أيِّ حال كان هول عذابي لقوم هود؟ وصدق إنذاري لمن كذَّب رسلي ولم يؤمن بهم؟
[ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)]
والله لقد سهَّلنا لفظ القرآن للتلاوة والحفظ، ومعانيه للفهم والتدبُّر، لمن أراد أن يتذكَّر ويعتبر، فهل من متَّعظ به؟
قصة ثمود قوم صالح عليه السلام :
[ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)]
أنكرت وجحدت ثمود رسولهم صالحاً بالإنذارات المُتعدِّدات التي أنذرهم بها، بعد دعوتهم إلى الإيمان والإسلام والطاعة. وفصّل سبحانه تكذيبهم بقوله :
  [ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)]
 فقالوا منكرين عليه: أنتَّبع بشراً واحداً من جنس البشر، ونستجيب له وننقاد له وليس له نصير، ونحن جماعة كثيرون؟ إنا - إذا استجبنا لرأيه وانقدنا له - لفي خطأ وذهاب عن الصواب في مسيرتنا وجنون في عقولنا.
[ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)]
أأُنزل الوحي والكتاب الربَّاني عليه مخصوصاً من دوننا، وفينا من هو أكثر منه مالاً وأحسن حالاً!! لا عذر له فيما ادَّعاه، بل هو كثير الادِّعاء للباطل، بَطِر متكبرِّ، يريد أن يتعظَّم علينا بادعائه النبوَّة؟ ثم هددهم سبحانه على ذلك وردّ عليهم الوصف بقوله :
[ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) ]
سيدركون بالمعاينة واليقين في المستقبل القريب جداً حين ينزل العذاب بهم في الدنيا مَن الكذَّاب المُتكبِّر ؟ صالح أمْ مَنْ كذَّبه؟
 ثم ذكر سبحانه مقدّمات العذاب ، فقال :
[ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27)]
إنا باعثو الناقة أنثى الإبل ومُخرجوها من الصخرة على الصفة والصورة التي سألوا ، وجاعلوها محنةً واختباراً لهم؛ ليظهر صدق وعدهم بالإيمان من كذبهم ، فانتظرهم ـ يا صالح ـ واجعلهم تحت مراقبتك وملاحظتك لما سيكون منهم، واصطبر بتكلُّف ومجاهدةٍ لنفسك على أذاهم حتى يأتي أمر الله.
ثم ذكر سبحانه ما امتحنهم به في أمر الناقة ، فقال :
 [ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)]
وأخبرهم - يا صالح -بهذا الخبر الهام ذي الشأن الشديد عليهم، أنَّ ماء البئر التي يستقون منها قِسْمةٌ بين الناقة وبينهم: لها يومٌ لا يشاركونها فيه، ولهم يومٌ لا تشاركهم فيه، كلُّ نصيبٍ من الماء يحضرهُ مَنْ كانت نَوْبته، يأتي ليشرب دون الطرف الآخر.
 [ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)]
فاستمرُّوا على ذلك وبقوا مدة ، ثم ملُّوه فعزموا على قتل الناقة ، فنادى كفار ثمود صاحبهم الملازم لمجالسهم المشارك لهم في سفاهتهم، مُحرِّضين إيَّاه على التَّخلُّص من الناقة، فأسرع عقب مناداة قومه، فتناول سلاحَهُ بخفَّة ، وأقبل يمشي على رؤوس أصابع رِجْلَيْه، مادّاً يدَيْه بسلاحه إلى الأعلى، وأقبل بجُرأةٍ إلى الناقة غير مكترث بالنتيجة ، فقطع أولاً أحد قوائمها حتى سقطت على الأرض، وعقرها ثانياً فذبحها. فعاقبْتُهم، فعلى أيِّ حالةٍ كان عقابي لهم، وإنذاري؟
ثم فصَّل سبحانه كيف أهلكهم بقوله تعالى :
[ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)]
إنا بعثنا عليهم صرخة عالية واحدةً، تزلزل الأرض وتدمرها، صاحها بهم جبريل، فأهلَكَتهم في مكان تجمُّعهم، ولم تسمح لهم بأن يتفرَّقوا، فصاروا كأكوام النَّبْتِ اليابس المتكسِّر بعضُه فوق بعض في حظيرةِ صاحب دوابٍّ، تدوسه الدوابُّ بأرجلها، وتُلقي ما تُلقي عليه من فضلاتها.
[ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(32)]
والله لقد سهَّلنا القرآن للعظة والاعتبار، فهل من مُتَّعظ به؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين