إلى مأدبة الله عز وجلّ سورة القمر 23-

الشيخ مجد مكي
بسم الله الرحمن الرحيم
اقتراب الساعة وموقف المشركين من آية انشقاق القمر :
[ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)]
دَنَا وقتُ انتهاء ظروف الحياة الدنيا وأنظمتها، التي يكون بعدها أحداث يوم القيامة، وانشقَّ القمر فِلْقَتَيْن؛ معجزةً كبرى للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وَقَعت بحضور المشركين، تدلُّ على صدق الرسول فيما يُخبر به عن الله تعالى، ومنه الإخبار باقتراب الساعة، وبعثِ الموتى إلى الحياة الآخرة التي يكون فيها الحساب، وفصل القضاء، وتنفيذ الجزاء. وبعد أن توعدهم باقتراب الساعة ، وذكر آية انشقاق القمر ، أنكر عليهم بقوله :
[ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) ]
وإن يبصر كفار قريش بأعينهم آيةً عظيمةً من آيات الله تدلُّ على صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ينصرفوا عن الإيمان بها، ولا يُصدِّقوا بدلالتها، ويجاهروا بالقول: هذه الآيات سحرٌ يخدع الحواس والعقول، يأتي به محمد بصفة متكررة دائمة. وفي ادعائهم أنه سحرٌ مُستمرٌّ استمراراً زمنياً تعارضٌ وتهافت؛ وذلك لأنَّ من شأن السحر أن لا يكون دائماً، ومن شأن الأمور الدائمة أن لا تكون سحراً، أما أن يكون الشيء الواحد سحراً ومُستمراً معاً، فهو جمع بين أمرين متضادَّين لا يجتمعان.
[ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)]
أعرضوا عن آية انشقاق القمر ودلالتها، وكذَّبوا النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، ببلاغاته عن ربِّه عزَّ وجلّ، فلم يؤمنوا بالقرآن، ورفضوا اتِّباع الرسول فيما جاءهم به، وانقادوا لأهوائهم وشهوات نفوسهم في القضايا الاعتقاديَّة والفكريَّة والنفسيَّة والسلوكيَّة، فهم في أمر مختلط غير متجانس ولا متوافق، وإنَّ تكذيبهم واتِّباعهم لأهوائهم لا يُغيِّرُ من أنظمة الكون وقوانينه المُستقرَّة الثابتة شيئاً، فإنهم لا يضرُّون إلا أنفسهم، ولا يستطيعون أن يمنعوا عن أنفسهم عقاب الله، ولا أن يمنعوا ظهور دين الله، ولا أن يظفروا بالانتصار أخيراً على رسول الله والذين آمنوا معه. ثم أنحى عليهم باللائمة والوعيد ، فقال :
[ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)]
وأؤكد لكم أنه وصل كبراء كفار قريش وبلغهم في هذا القرآن من أخبار هلاك الأمم الماضية المُكذِّبة ، ما فيه ازدجار وكفٌّ لردعهم عن كفرهم وضلالهم.
[ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) ]
إيرادُ أنباء الأوَّلين وقَصصهم وما جَرى لهم من عقوبات ربَّانيَّة أهلكتهم إهلاكاً عاماً، حكمةٌ بالغةٌ غايةَ ما يمكن اتِّخاذه من وسائل إقناعيَّةٍ تربويَّةٍ ذات تأثير في النفوس المُستعدَّة للتأثُّر بالمُخيفات، فما تكفي وما تنفع هؤلاء الكفار هذه النُّذر مهما كان إرهابها وتخويفها.
[ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) ]
فأدِر وَجْهَكَ ـ يا رسول الله ـ عن هؤلاء الذين مَرَدوا على الكفر، ولم تُغنهم النُّذر، وانصرف إلى دعوة غيرهم من الذين لم يصلوا إلى حالةٍ ميؤوس منها كحالتهم، واذكر يوم ينفخ إسرافيل في «القرن» إلى شيء منكر فظيع لم يَرَوْا مثله، فينكرونه استعظاماً له.
[ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)]
ذليلةً خاضعةً أبصارهم عند رؤية العذاب، يظهرون ويبرزون من القبور، كأنَّهم جرادٌ مُنْتَشر في كثرتهم وتجمُّعهم وتتابعهم وتصادم بعضهم في بعض. لا يدرون : أين يذهبون من الخوف والحيرة ؟
  [ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)]
يخرجون حال كونهم حيارى فزعين، مُسْرعين مادِّي أعناقهم، مُقْبلين إلى صوت الداعي إسرافيل على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من النفور والإعراض عن الداعي إلى الحق.
 يقول الكافرون المكذِّبون الله ورسوله: هذا وقت صَعْبٌ شديد الهول. وفيه تلويح إلى أنَّ المؤمنين لا يرونه كذلك .
ومن مباحث اللفظ: أن خطف الياء من ( الداع ) على سنَّة القرآن في خطف بعض الياءات مراعاة للتخفيف ، وكذلك حذفت الواو من ( يدع ) في النطق ، لالتقاء الساكنين ، وحذفت في الإملاء تبعاً لذلك .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين