إلى مأدبة الله عز وجلّ سورة النجم  ـ 22 ـ

الشيخ مجد مكي

تابع السياق القرآني ببيان ما أنزله الله بالمعارضين من الأمم السابقة من عذاب الاستئصال ، تهديداً لهؤلاء المشركين ، بأنه سيجري عليهم ما جرى على أولئك ، فقال :
 

]وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)[

وأنه سبحانه أفنى قبيلة عاد ، قومَ هودٍ المتقدِّمة في الزمان المتوغلة في القِدم جداً، واستأصل كفارهم بريح صرصر، وكانت منازلهم في جنوبي الجزيرة العربية بين حضرموت وعُمان، وأفنى قبيلة ثمود، قومَ صالح بالصَّيْحة، وموطنها في شمالي الجزيرة العربية بين المدينة والشام ،فعاقب القبيلتان المذكورتان بذنوبهم فما ترك على قيد الحياة من كفارهم أحداً ، [وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ]اًي: وأفنى جماعة نوح بالغرق من قبل إهلاكه عاداً وثمودَ؛[ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ]أي : إنَّهم كانوا هم أعظمَ كفراً وعصيانا وجوراً ومجانبة للحق ، وأشدَّ تمرُّداً ومجاوزة للحد من عاد وثمود، لطول دعوة نوح إيَّاهم، وعتوِّهم على الله بالمعصية والتكذيب.
 

]وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)[

 وقرى قوم لوط المنقلبة بأهلها المجرمين رأساً على عقب ،رفعها جبريل بأمر الله إلى السماء ، ثم أهوى بها إلى الأرض، فنزل عليها من فوقها شيء عظيم مهولٌ سترها كلَّها وغطّاها، فدمّرها تدميراً شاملاً بالحجارة المنضودة المُسوَّمة. وكانت هذ المدن العامرة في شمالي الشام وعاصمتها سدوم.
 

]فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)[

فبأيِّ أفعال ربِّك العجيبة، وشؤونه الغريبة تَشُكُّ أيها الإنسان الكافر بربِّك، المكذِّب لرسوله؟!!
 

]هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)[

هذا الرسول محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة إلى الكفرة المكذِّبين نذيرٌ بالحقِّ، محذّر من عقاب الله تعالى ، من جنس النُّذر الماضية المتقدمة، رسلاً كانوا، أو كتباً ربَّانية، أو إنذارات جاءت في الكتب السابقة، أو على ألسنة الرسل.
ثم أردف هذا الإنذار بما يومئ ويدل على أن إنجازه مؤخَّر إلى يوم القيامة ، فقال :
 

] أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)[

قَرُبَتِ الساعة القريبة، ليس للساعة من غير الله وإعلامٍ منه نفسٌ كاشفة تزيلها وتمنع وقوعها وتقدر على دفعها إذا وقعت ، أو تكشف وقت حدوثها ، فلايكشفها ويظهرها إلا هو ، كقوله تعالى :]لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ[[الأعراف : 187].
ثم زاد في التهديد والإنذار ، فقال :
 

 ]أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)[

أرفضتم ـ أيها المشركون ـ الحقَّ الجليَّ الذي حدَّثناكم به في القرآن، وأعلنتم إنكاركم له، فصرتم تستبعدونه وتُوهمون أنه باطلٌ بأسلوب التعجُّب، وتَضْحكون استهزاء، ولا تبكون ممَّا فيه من الوعيد تَحزُّناً على ما فرَّطتم في جنْب الله ، وعلى ماجرى على أمثالكم ، وعلى ما يراد بكم ، وأنتم عنه لاهون غافلون، مُتحيِّرون مُتكبِّرون، جامدون لا تتأثّرون؟! إنَّ الذي يثير التعجُّب والضحك حقاً هو حالكم؛ إذ تعجبون وتضحكون من آيات القرآن المشتملة على حقائق وإقناعات وإرشادات، وبشارات وإنذارات فيها الخير العظيم لكم في دنياكم وأُخراكم.
[فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ] أي : فالصقوا ـ أيها الناس ـ جبهتكم بالأرض ذلةً وخضوعاً لله الذي خلقكم، وأخلصوا الطاعة والتقديس له وحده. وعطف ( اعْبُدُوا) على ما قبله من عطف العامّ على الخاص . وهنا يسجد المتوضئ من القارئ أو السامع .
 


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين