إلى مأدبة الله عز وجلّ سورة النجم   ـ 21 -

الشيخ مجد مكي

 
 

]أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)[

بل ألم يُخبَّر الخبر الهام بما في أسفار التوراة، ويُخبَّر بما في صُحُف إبراهيم الذي كمَّلَ وتمَّمَ ما أُمر به، فأدَّاه أداءً وافياً لم يَنْقُص منه شيئاً ؟
وقدّم سبحانه ذكْر موسى وصحفه لقُرب عهدها من العرب وشهرة التوراة عندهم ، وقدَّم إبراهيم عليه السلام في سورة الأعلى [ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)]حسب الترتيب الزمني.
وفي مدح إبراهيم عليه السلام بأنَّه وفَّى واجبَه حقَّ الوفاء ، تعريض بهؤلاء الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، ويقولون : نحن على دين إبراهيم عليه السلام .
ثم بيّن سبحانه ما جاء في صحف إبراهيم وموسى :
]أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [أي : ألاَّ تحمل نفسٌ إنسانيَّة آثمة ولا غير آثمة إثم نفسٍ أخرى، حتى تخلِّص هذه الثانية من إثمها، إنما تحمل النفس الآثمةُ إثمَ ذنبها الذي فعلته بالمباشرة أو التَّسبُّب فتُعاقب عليه.
 

]وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) [

وأنْ ليس للإنسان من حقٍّ أعطاه الله له بفضله إلا ما كسبه من أعمال صالحة، وهذا لا يمنع من أن يصله شيءٌ بفضل الله دون سعيٍ منه، كدعاء منْ يستجيب الله دعاءه له، أو شفاعة مَنْ يأذن الله له بالشفاعة، وأنَّ ما اكتسبه وتحمله بالنيّة أو القول أو العمل سوف يبصره بنفسه يوم الدين في كتاب عمله ؛ ليطمئن إلى عدل ربه ، ثم بعد المحاسبة وفصل القضاء يكافئ جزاء سعيه بالعمل الصالح في الحياة الدنيا الجزاء الأتمَّ الأكمل دون نقص مع زيادة من فضل الله.ثم تابع السياق بما في تلك الصحف:
 

 ]وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)[

وأنَّ إلى لقاء خالقك ومالكك ومتولي أمرك وحسابه وجزائه ـ يا رسول الله ـ مرجع الخلق ومصيرهم إليه في الآخرة، فينال كل عامل جزاء ما يستحقه من ثواب عظيم أو عقاب أليم .
 

]وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)[

وأنه سبحانه هو ـ وحده ـ أضْحَك وأبكى، فخلق الأسباب التي تسُرُّ، ومشاعر الفرح والسرور، وخلق الأسباب التي تُؤْلم، ومشاعر الحزن والألم، وهو القادر على إيجاد الضِّدَّين في محلٍّ واحد.والمؤمن يرضى بقضاء الله في خلقه كلَّ ما يَسرّ ويُحزن ، فيُسرّ فيما يَسُرُّ ويصبر على ما يحزن .
 

]وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)[

وأنه سبحانه هو وحده أمات في الدنيا بنزع الروح عن الجسد من قضى عليه الموت، وأحيا للبعث من يريد إحياءه ، بخلق الحياة وأسبابها في بقايا الأموات، فهو المتفرِّد سبحانه بالإحياء والإماتة. وعُبِّر فيه بالماضي عن المستقبل ، لتحقق وقوعه كأنه حصل فيما مضى .
 

]وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)[

وأنه سبحانه أوجد من العدم الصنفين من كلِّ حيوان : الذكر الذي يكون من الخلق لحمل الإخصاب ، والأنثى التي تحمل ما يتلقى بالإخصاب ، من قطرة دقيقة من ماء الذَّكَر إذا تُصَبُّ في الرَّحِم. فكيف يشمخ بأنفه ويتكبَّر على أوامر خالقه وينكر البعث ؟! وخصَّ منيّ الذكر دون بويضة الأنثى لأنه عنصر الإخصاب وتحديد نوع المخلوق في التكوين .
]وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) [
وأنَّ عليه سبحانه وفاءً بوعده إحداث الخَلق الثاني بعد الموت؛ التي تبدأ بالبعث إلى الحياة الأخرى؛ للحساب، وفصل القضاء، وتنفيذ الجزاء.
 

]وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) [

وأنه سبحانه هو ـ وحده ـ أغنى الناس بالأموال ويسَّر لهم الكسب، وجعل لهم ما يَقْتنونه ويدَّخرونه ولا يستهلكونه ممَّا يحتاجون إليه مستقبلاً.
 

]وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)[

وأنَّه سبحانه هو خالق ومالك معبودهم الشِّعرى، وهو نجمٌ مُضيء، كان بعض العرب في الجاهلية يعبدونه من دون الله. وتخصيص «الشِّعرى» من دون سائر النجوم مع أنَّ الله سبحانه هو ربُّها جميعاً ما عُلم منها وما لم يُعلم، للتنبيه على أنَّ عبادة بعض العرب للشِّعرى عبادة باطلةٌ؛ لأنَّ الله ربُّها، وليس لها من الربوبيَّة شيء. ويُقاس على الشِّعرى سائر النجوم والكواكب، ولا سيما ما عُبِدَ منها من دون الله.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين