إلى مأدبة الله عز وجلّ سورة النجم -18-

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ مجد مكي
 

]وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)[

أقسم الله تعالى بالنَّجم المضيء اللامع في السماء إذا سقط مُنقضّاً من عُلْوٍ إلى سُفْل، ما ضاع صاحبُكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما حاد وانحرف دون قَصْد ولا تعمُّد عن طريقِ الهدى، وما تنكّب طريق الرُّشد عن قَصْد وتعمُّد، اتِّباعاً لهوى نفسه، وهو مَنْ تعرفون ـ لطول صحبتكم له ـ اتِّصافه بغاية الهُدى والرَّشاد.
 

]وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) [

ولا يتكلم ويبلِّغ كلاماً صادراً عن توجيه شهوة النفس ورغبتها الخاصَّة، ما القرآن إلا وحيٌ من الله يُوحَى إليه ، أنزله الله على لسان جبريل وتكفَّل بتيسير حفظه وتبليغه.
 

 ]عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)[

أوصل إليه هذا الوحي وبلّغه إياه ،حتى وعاه وحفظه ،مَلَكٌ شديدُ القُدرة على الأمور الكبرى، صاحب إحكام وإتقان وممارسةٍ وخبرة في التعليم، تعتمد على المعالجة الحكيمة، واستخدام مختلف الوسائل التعليميَّة، فوصل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى مستوى الاستواء الكامل في التعلُّم، وقد رأى محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم جبريل على صورته الحقيقية، التي خلقه الله عليها بأجنحته التي تملأ الأفق، والحال أن جبريل ظاهر بالجهة العليا من السماء، عند مطلع الشمس.
 

]ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)[

وبعد مدَّةٍ متراخية نزل جبريل من العلو وقَرُبَ من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فزاد في القُرب، فصار دنوُّه مقدار قرب القوسين إحداهما من الأخرى إذا تماسَّا، بل أدنى من ذلك، حتى أفاق النبي وسكن قلبه ،فأوحى الله تعالى إلى عبده المملوك خلقا وقهراً وتعبُّداً جبريل ـ ملك الوحي الأمين ـ الوحيَ نفسَهُ الذي أوحاه جبريل إلى محمد خاتم النبيين.
 وهذه الجملة : ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) تحقيق لقوله : [ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)] وتقرير له . والمراد: أوحى إليه شيئاً فخماً لا تحيط بكنهه العقول .
ثم بيَّن أن رؤيته صلى الله عليه وآله وسلّم لجبريل على صورته الحقيقية كانت حقيقة لا شك فيها ، فقال :]مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)[.
أي : ما أنكر قلبُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا تردَّد فيما أبصر بعينه ، من صورة جبريل ليلة المعراج.
 

]أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)[

ألا تعجبون من أنفسكم ـ أيها الكافرون المكذِّبون لرسولنا ـ فيما يراه من الوحي والمعراج رُؤْية حقٍّ، فتجادلونه بالباطل حريصين على إنكار ما يرى من الصورة العجيبة التي بلغ من غرابتها أنها حاضرة في ذهنه إلى الآن ؟ ولذلك جاء القرآن بـ] يَرَى (12)[: التي تدل على الرؤية في الحال بدلاً من ( رأى ) التي تدل على الماضي .
 

]وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)[

وأؤكِّد تأكيداً بليغاً أنَّ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رأى جبريل في صورته التي خُلِق عليها نازلاً من السماء مرة ثانية مغايرة للسابقة ،وكانت عند شجرة نَبْق في السماء السابعة، ينتهي إليها ما يُعرَجُ به من الأرض، وينتهي إليها ما يُهْبَط به من فوقها. عند تلك الشجرة موضع انتهاء قدرات الخلق جميعاً، جنّة الإقامة والاستقرار التي يصير إليها المُتَّقون، وتأوي إليها أرواح الشهداء.
 

]إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) [

رأى محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم جبريلَ في النَّزلة الأخرى عند سدرة المنتهى حين كان يجلِّل سِدرةَ المُنتهى ويغطِّيها من نور الخَلاَّق والملائكة، ما لا يعلم وصفه إلا الله تعالى. ثم حقق الأمر وقرَّره بقوله :
 

]مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)[

أي : ما اضطرب بصرُ النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا انحرف في ذلك المقام، وفي تلك الحَضْرة المُقَدَّسة يميناً ولا شمالاً، وما زاد في الرؤية على الحقيقة شيئاً . يشير إلى أن معراجه صلى الله عليه وآله وسلم كان حقاً واقعاً، وما أدركه فيه كان يقيناً صادقاً.
 

]لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)[

أؤكِّد تأكيداً بليغاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى ليلة المعراج رؤية حسيَّةً بصريَّة بعضاً من آياتِ الله الكبرى الدالَّة على سعة ملكه وتمام قدرته.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين