إلى مأدبة الله عز وجلّ سورة الطُّور -17 –

الشيخ مجد مكي
 
السؤال الثاني عشر :
 {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)
بل، أتسألُ ـ يا رسول الله ـ هؤلاء المشركين وتطلب منهم وتوجب عليهم أجراً مادياً أو معنوياً على ما جئتهم به من النبوَّة، فهم في جهد ومشقَّة من ذلك المَغْرم الذي سألتهم، فيصدُّون من أجل استثقاله عن الاستجابة لك، والإيمان برسالتك، وتصديقك فيما تُبلِّغهم عن ربِّك؟
السؤال الثالث عشر :
{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)
بل، أعندهم تدبيرُ الغيْب المُسْتقبلي، الذي غاب عن حواسِّهم وعقولهم، فهم يُقدِّرون ويُدبِّرون ما يشاؤون لأنفسهم آمنين، ويكتبون ما قدَّروا لها غير خائفين من أن يأتي قدر الله وقضاؤه على ما يكرهون، ومنه هلاكهم وتعذيبهم على كفرهم؟
السؤال الرابع عشر :
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ؟ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42)}
بل، أيقصدون ويطلبون تدبيراً خفياً بك ـ يا رسول الله ـ؛ ليُهلكوك، فليعلموا أنهم بسبب كفرهم هم المَجْزيُّون بكَيْدهم، الذي ينزل بهم أشدُّ ما يكرهون، ويُسلِّم الله دينه ورسوله والمؤمنين وينصرهم عليهم.
السؤال الخامس عشر :
{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)}
بل، ألهم معبود بحقّ غير الله يرزقهم وينصرهم ويمنحهم ما يريدون؟ تنزَّه الله عمَّا يشركون في ربوبيَّته وإلهيَّته.
وبعد إلزامهم بهذه الحجج الواضحة للعيان ، الموردة بأجلى بيان ، بأسئلة ملؤها التهكُّم والتوبيخ والسخرية ، أنَّبهم وصوّر درجة عنادهم وإنكارهم للأمور المحسوسة فقال :
{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) }
وإنْ يبصروا عياناً جرماً عظيماً ساقطاً عليهم بعنف من السماء لتعذيبهم وإهلاكهم، يقولوا لمعاندتهم: هذا غيم ملقى بعضُه على بعض؛ لِسَقْينا، ولم يخطر في بالهم أنه عذابٌ من الله عزَّ وجل، هابطٌ عليهم، حتى يذوقوا عذاب الله المعجَّل الأليم.
{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)}
 فدع ـ يا رسول الله ـ هؤلاء المشركين في باطلهم ، ولا تكترث بهم حتى يستقبلوا ويعاينوا موعد آجالهم الذي قضى الله أن يموتوا فيه.ثم أكمل وصف ذلك اليوم ، وزاد في البيان عنه بقوله :
{يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)}
 يومَ لا ينفعهم ولا يصرف عنهم كَيْدُهم شيئاً، ولا يمنعهم من العذاب مانع. ثم عقَّب وعيدهم بذلك اليوم ، بوعيد آخر ، فقال :
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)}
وإنَّ للذين ظلموا ظلماً عظيماً من دَرَكة الكفر عذاباً يَلْقَوْنه في الدنيا، ويحسُّون آلامه قبل موتهم، وهو دون عذابهم في الآخرة، ولكنَّ غالبيتهم العظمى يجهلون أنَّ ما نزل بهم من العذاب هو عقوبةٌ لهم، بل يتصوَّرون أنه من عوارض الدهر الطبيعية.
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}
ودم على الثبات والتحمُّل ـ يا رسول الله ـ مُسْتَسْلماً لحُكْم ربِّك وقضائه وإرادته إلى أن يقع بهم العذاب الذي حكمنا عليهم به، فإنَّك بمرأى منا وحفظِنا، فلا يصلون إليك بمكروه، ونزِّه ربَّك تنزيها مقْترناً ومتلبِّساً بالثناء الجميل على إنعامه وإحسانه ومُصَاحباً له حين تنهض من مجلسك، أو من منامك، أو حين تنهض إلى الصَّلاة. ومن الليل – ما بين الغروب والشروق - فنزِّهه، وعند السَّحر في وقْت إدبار الأجرام السماوية المضيئة بالليل بغلبة ضوء الصبح عليها . فالتسبيح هو الذي يساعد على التَّحلِّي بالصبر، ويعالج ضيق النفس والكرب الذي يضغط عليها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين