إلى مأدبة الله عز وجل سورة الطُّور -15 –

الشيخ مجد مكي

 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) }
والذين آمنوا وعملوا بإيمانهم صالحات استحقُّوا بها درجات مُرتفعاتٍ في الجنة، واتَّبعتهم ذُرِّيَّتهم بإيمانٍ صحيح مقبول استحقُّوا به دخول الجنة، ولو بعد مُجَازاتهم ببعض العقوبات، ألحقنا بهم ذُرِّيَّتهم المؤمنين في الجنَّة دون أن يكونوا في درجتهم؛ ليجتمعوا معهم في منازلهم الواسعة، وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم في الجنة تكرمةً لآبائهم؛ لتقرَّ بذلك أعينهم، ويتم السرور للجميع ، وما نقصنا الآباء شيئاً من ثواب أعمالهم نظير تمتعهم بوجود أبنائهم معهم في الجنة،  بل أعطيناهم ثوابَهم كاملاً.
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } كلُّ إنسان مكلَّف اجتاز رحلة امتحانِهِ في الحياة الدنيا، وكان مؤمناً قد عمل فيها أعمالاً يُجازى عليها بالعقاب، فإنَّه يوم القيامة يُحبس حتى يقضيَ اللَّهُ عزَّ وجلّ بشأنه، عقاباً أو غفراناً، فإذا عُوقب بعدله أو غَفَر اللَّهُ له بفضله، أُفرج عنه، وأُدخل الجنة برحمة الله عزَّ وجلّ، فلا تتَّكلوا ـ أيها الأبناء ـ على صلاح الآباء، واعلموا أنكم مرهونون بأعمالكم، لا يحمل ذنبكم أحد.
{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) }
وتابعنا إيتاءَهم زيادةً عمَّا كان لهم بثمار لذيذة، وممَّا يخطر ببالهم ويتمنَّونه من أنواع اللحوم.
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) }
حال كونهم يتجاذبون في الجنَّة كأساً من الخمر، لا باطل فيها ولا رفَثَ ولا تَخَاصُم ولا هذيان من الكلام، ولا يكون فيها ما يجعلهم مذنبين مؤاخَذين، ولا يَتَّهم شاربوها بعضهم بعضاً بالإثم.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) }
ويدورعليهم بالطعام والفاكهة والشراب فتيان مَمْلوكون لهم، مُعدُّون لخدمتهم، كأنَّهم في الحُسْن والبياض والصَّفاء لؤلؤٌ مخزون مَصُونٌ لم تعبث به أيدي العابثين، ولم يتعرَّض لما يُغيِّر صَفَاءَه ونقاءَه.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) }
وتوجَّه بعضُ أهل الجنة إلى بعض بالزيارة ، يسأل بعضهم بعضاً في مجلس محادثةٍ بينهم سؤال تلذُّذ واعتراف بفضل الله .
{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) }
أجاب المسؤولون السائلين إشارة إلى سبب ما وصلوا إليه من النعيم : إنَّا كنَّا قبل هذا النعيم في حال وجودنا بين أسرتنا وعشيرتنا قبل انتقالنا من الحياة الدنيا، خائفين دائمي الحَذَر من أن نُجازى على خطايانا التي ارتكبناها، وأن لا يشملنا غفران الله لها.
{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) }
 فتفضَّل الله علينا وأنعم كرما بالنعمة العظمى بالمغفرة، وحَمَانا وصَرَف عنا عذابَ النار النافذة في المسام نفوذ الريح الحارة. وقالوا إشارة وبيانا إلى سبب ما وصلوا إليه من النعيم أيضا :
{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) }
إنا كنَّا من قبل في الحياة الدنيا، نُخلص له الدعاء، فاستجاب لنا، فمنَّ علينا ووقانا عذاب السَّموم؛ إنَّه هو المحسن الصادق في وعده، ذو العطاء الواسع، والفضل الجزيل، وهو سبحانه المتعطف بالإكرام والإنعام ذو الرحمة الدائمة.
ثم أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يستمر بالتبليغ غير ملتفت إلى تقوُّلات المشركين وهذيانهم ،فقال:
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) }
فانصح ـ يا رسول الله ـ  وعظ بالدعوة إلى التوحيد والصلاح الذين لم يصلوا إلى حالة ميئوسٍ معها استجابتهم لدعوة الحق، فما أنتَ بسبب إنعام الله عليك بالنبوَّة والرسالة ـ كما يقول كفار مكة ـ بكاهن: تتصل بالجن وتُوهم أنك تعلم الغيب من غير وحي، ولا مجنون: لا يعقل ما يقول.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين