إلى مأدبة الله عز وجل  سورة الطُّور -14 –

الشيخ مجد مكي

وَالطُّورِ (1) 
أقسم الله تعالى بجبل طُّور سيناء الذي كلَّم الله سبحانه وتعالى عليه موسى عليه السلام.
 وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) 
وبسجلٍّ مدوَّن على وجه الانتظام في سطور متقنة، في جلْدٍ رقيق يُكتب عليه، مفتوح ميسر للقراءة ، مبسوطٍ غير مطويٍّ ولا مخوم عليه،  وهو التوراة المسطورة في الألواح التي أنزلت عليه في هذا الجبل قبل التحريفات التي أدخلها اليهود. أو المراد : جميع الكتب السماوية .
 وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) 
وبالبناء المشيَّد الرفيع في السماء السابعة بالملائكة الكرام الذين يعمرونه بالعبادة ويطوفون به. أو المراد بالبيت : الكعبة المكرمة المعمورة بالطائفين والعاكفين والركّع السجود.
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) 
وبالسماء المرفوعة من غير عَمَد التي تغطي الأرض وتحيط بها من جميع جهاتها وما فيها من أجرام عظيمة الشأن كمّاً وكيفاً.
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) 
 وبالبحر الممتلىء ماءً وعجائب من عجائب الخلق.
وقد ورد القسم في القرآن كثيرا ؛ لأنه جاء بلغة العرب وأساليبهم، وكان من عادتهم إذا سمعوا الرجل يقسم يعلمون أنه سيقول كلاما مهماً يجب الإصغاء إليه ،فيستقبلون الكلام المبدوء بالقسم باهتمام، ومنها : لفت النظر إلى مواضع العبرة في هذه الأشياء المقسم بها ، والحث على تأملها . ومما يجب التنبيه إليه أن هذا النوع من القسم مما اختصَّ به سبحانه ، فلا يجوز لنا أن نحلف إلا بالله أو بصفة من صفاته سبحانه .
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) 
إنَّ جزاء ربِّك ـ يا رسول الله ـ بالعذاب لمُستحقِّيه سيقع لا مَحَالة، لا يُوجد دافعٌ ما يدفعه.
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) 
تقعُ بدايات العذاب يوم تتحرَّك السماء حركة تشبه حركة الدَّوَّامة في البحر، وتختلف أجزاؤها بعضها من بعض، وتَضْطَرب.
وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) 
 وتزول الجبال عن أماكنها قبيل نسفها، تمهيد اً لبثِّها وتفتيتها، وجَعْلِ الأرض سطحاً مستوياً.
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) 
فَشِدَّةٌ وهلاكٌ وعذابٌ شديدٌ لا مثيل له يوم إذ تمور السماء للمُكذِّبين بالبعث واليوم الآخر.
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) 
الذين يتخبطون في تصرُّفاتهم في الحياة الدنيا على غير هُدى، ويشغلون أوقاتهم في الطعن في الرسول والقرآن وكل ما لا يفيد ، كَمَنْ يخوض في الماء فيعكِّره بالطين الراسب في القاع، فيفسد صفاء الماء، وهم في خوضهم على غير هدى واندفاعهم في الباطل يلعبون فلا يعملون أعمالاً لها نتائج نافعة، بل نتائجها ضارَّة لهم.
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) 
يوم يُدفَعون إلى أبواب نار جهنَّم دار العذاب يوم القيامة لقذفهم بها دفعاً بعنف وجَفْوة، حتى إذا دَنَوْا من أبواب جهنَّم، قال لهم خَزَنتها توبيخاً لهم :
هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) 
هذه النَّار التي كنتم تنكرونها في الدنيا، وتجحدون أن تكون يوم القيامة.
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) 
أَفَتمويهٌ وتخييل بما هو غير موجود ما تُشاهدونه اليوم من العذاب، أم أنتم عُمْيٌ لا ترون بأعينكم ما هو حق ، فتتوهمون أنه نار ؟ ثم ينفذ الجزاء فيهم مقرونا بما يزيدهم إيلاما من التأنيب والتهكُّم ، فيقال لهم :
اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) 
ذوقوا حرَّ النَّار، وقاسوا شدَّتها، فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا عليه، سواءٌ عليكم الصبر والجزع، ما تُكافؤون وتعاقبون إلا مطابق ما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب في الدنيا.

بعدما بيَّن سبحانه جزاء الكافرين شرع في بيان جزاء المؤمنين ليتميَّز أصحاب اليمين عن اصحاب الشمال فقال :
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) 
إنَّ الممتثلين أوامر الله المجْتنبين نواهيه يقيمون دواماً في بساتين تحتوي على أشجار وثمار وزروع وأنهار وقصور، وفي تنعُّم بالخير الدائم  المحيط بهم.
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) 
 مُنعَّمين فرحين متلذذين بما آتاهم خالقهم ومالكهم ومربيهم بنعمه من الخير والكرامة، يتفكّهون بأصناف الملاذِّ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناكح وغير ذلك، وتجاوز عن خطايا كثيرة قد ارتكبها بعضهم، وحماهم خالقهم ومالكهم وجنبَّهم ما كانوا يستحقُّونه من عذاب النار الملتهبة. ويقال لهم :
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) 
يقال لهم: كُلُوا أنواع وأصناف مأكولات طيِّبات، واشربوا أنواع وأصناف مشروبات لذيذات أكلاً وشرباً سائغاً لذيذاً مأمون العاقبة من التُّخمة والسَّقَم؛ جزاءً بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من أعمال صالحة اعتقاديَّة وخُلقيَّة ونفسيَّة وسُلوكيَّة.
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) 
يكونون في الجنة حال كونهم جالسين بتمكُّن وارتياح على مَضْجع ذي قوائم أربعة مرفوعة عن الأرض، موضوعة على صفٍّ وخطٍّ مسْتَو، يُشاهد المتَّكئون بعضهم بعضاً، ويتحادثون، وهم سُعداء بما يُنعَّمون به، وزوَّجناهم بنساء بيض كبار الأعين حِسَانها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين