المعين على تدبر الكتاب المبين سورة الذاريات -13-


الشيخ مجد مكي
 
]وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)[
 وبَنَيْنا السَّماءَ المحيطة بالأرض من جو وأجرام علوية وجعلناها سقفا محفوظاً بقوةٍ وشدة، وإنا لمُوسعون فيها خلقاً وامتداداً لأرجائها وأنحائها بعد خلقها الأول مع توالي الأزمان.
 
]وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)[
وبسطنا الأرض ومهَّدناها لكم، فَنعمَ المُسوُّون المصلحون لهذه المنْبسطات من الأرض عنايةً منَّا بمصالح الناس.
 
]وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)[
ومن كلِّ شيءٍ في الكون خلقنا صنفَيْن ونوعَيْن مُختلفين في الناس، والنباتات، والكهرباء، والمغناطيس، والذرَّات؛ نبيِّن لكم هذه الحقيقة التكوينيَّة راغبين أن تضعوها في ذاكرتكم ـ أيها المُتَلقُّون المتدبِّرون ـ فكلَّما اكتشفتم وجود نظام الزوجيَّة في شيءٍ كان خفيّاً عليكم تذكَّرتم هذا البيان، فعلمتم أنَّ القرآن مُنزَّل من لدنه، وعلمتم أنَّ خالق الأزواج فردٌ لا نظير له، ولا شريك معه.
 
]فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)[
أنتم ـ أيها المشركون ـ في مواقعكم الشركيَّة، يقْترب منكم العذابُ شيئاً فشيئاً، على ما تمارسونه من شرك وكفر وجرائم، فتوجَّهوا ملتجئين إلى الله موحدين مخلصين من هذه المواقع قبل أن يفاجئكم العذاب المهلك الشامل؛ إنِّي لكم من جهته سبحانه وبأمره مُخوِّفٌ، بيِّنُ الرسالة بالحجَّة الظاهرة، والمعجزة الباهرة، والبرهان القاطع.
 
]وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)[
وقل لهم : وحِّدوا الله، ولا تُصيِّروا معه معبوداً مطاعاً ؛ إني لكم منذر مهدِّد، مُرسلٌ من الله مُبيِّن في إنذاري وكُلِّ دعوتي، بعد تأدية الوظائف السابقة لي من تبليغ، وبيانٍ، وإقناعٍ، وتبشير.
 
]كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)[
كما كذَّبك كُبراء كفار قومِكَ ـ يا رسول الله ـ وقالوا: ساحرٌ أو مجنون، كذلك ما جاء الذين من قبل كفار مكة والأمم الخالية الكافرة من رسول يدعوهم إلى الإيمان والطاعة إلا قالوا: ساحرٌ يخدع الحواس والعقول ويخيِّل لها ما هو غير الواقع أو مجنون فقد عقله فهو لا يدري ما يقول .
 
]أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)[
أأوْصى بعضُهم بعضاً بالتكذيب، وتواطؤوا عليه؟ إنهم لم يتواصَوْا بهذا القول؛ لأنهم لم يتلاقوا في زمانٍ واحد، بل جمعتهم على ذلك علَّةٌ نفسيَّة واحدة، وهي: الطغيان والاستعلان بالفساد، وهو الحامل لهم على رفض دعوة الحقِّ الربانيَّة المؤيَّدة بالبراهين القواطع .
 
]فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)[
فانصرف ـ يا رسول الله ـ عن دعوة هؤلاء المستكبرين المعاندين، الذين كرَّرت عليهم الدعوة فلم يستجيبوا ؛ فلا لَوْمَ عليك، ولست مؤاخذاً بتقصيرك ، فقد أدَّيْتَ الرسالة على أكمل وجه، وما قصَّرت فيما كُلِّفت به ، فاللوم لهم لإصرارهم على الكفر والطغيان.
 
]وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)[
ووجِّه تذكيرك للَّذين تطمع أن ينفعهم تذكيرك، فإنَّ التذكير يفيد الذين لديهم استعدادٌ داخليٌّ لأن يؤمنوا مُستقبلاً عن طريق إرادتهم الحرة، ولم يصلوا إلى دركةٍ ميؤوس منها.
 
]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) [
وما خَلَقتُ الجنَّ والإنسَ في الحياة الدنيا مُمْتَحنين مُخْتَبرين، إلا لآمرهم أن يُوحِّدوني، وأدعوهم إلى عبادتي وحدي دون سواي.
 
]مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)[
ما أطلب منهم أن يُقدِّموا لي رزقاً، ولا أن يُقدِّموا لي طعاماً، كما يتوهَّم المشركون، إذ يقدِّمون القرابين والأطعمة لشركائهم . فهو سبحانه غنيٌّ بذاته لا يحتاج إلى شيء، وهو الذي يخلق الطعام وكل أرزاق الخلق .
 
]إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)[
ـ إنَّ الله ـ وحده ـ هو الرزَّاق لجميع خلقه،الذي خلق الأرزاق ويسر وصولها إلى ما قدرت له ، القويُّ الشديد، المُقْتَدر البليغ القوة والقدرة.
 
]فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)[
فإنَّ للذين ظلموا من كفار مكة مقْداراً من العذاب المُعجَّل في الدنيا مُمَاثلاً لمقادير العذاب التي عُذِّب بها أصحابكم المُمَاثلون لكم في الظلم من الأمم السالفة، يذوقون آلامه، ويكونون به هالكين، يشبه صبَّ ذَنوبٍ من ماءٍ حميم يغلي غلياناً شديداً على المعذَّب، فيذوق آلامه الشديدة لمدّةٍ ليست طويلة، ويَعْقُبه موتُه، ويكون له بعد الموت مثل ما لسائر الكافرين. فانتظروا هذا العذاب الآتي لا مَحَالة، ولا تستعجلوا نزوله مُستهينين به.
 
]فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)[
فَهَلاكٌ وعذابٌ شديدٌ للَّذين يموتون وهم كفار، من يوم القيامة الذي يُوعدون فيه بنزول العذاب الشديد الذي يكونون خالدين فيه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين