إلى مأدبة الله عز وجل سورة الذاريات -11-

 

إلى مأدبة الله عز وجل سورة الذاريات -11-
 

الشيخ مجد مكي

 
 

]وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)[

وتوجد في الأرض وما فيها ـ من البحار والجبال والأشجار والثمار وأنواع النبات ـ دلالات كثيرات على قدرة الله ووحدانيّته للمُوقنين الذين يحسنون النظر والتأمُّل فيطمئنون إلى الإيمان ولا يدخلهم فيه شك.
 

]وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) [

وتوجد في خلق أنفسكم دلائل أيضاً على قدرة الله، من مبدأ خلقكم إلى منتهاه، وما في تركيب خلقكم من العجائب ،أفلا تُبصرون في آيات الله في الأرض وفي الأنفس، للوصول إلى العلم اليقيني المُشَابَه للعلم الذي يحصل عن طريق الإدراك البصريِّ.
 

]وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) [

وفي السماء المحيطة بالأرض رزقكم المُقدَّر لكم، وما تُبلّغون حصوله من الثواب والعقاب يوم الدين.
 

] فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)[

 فَوَرَبِّ السَّماء والأرض إنَّ ما ذُكر بشأن الرزق والجزاء، لَحَقُّ لا ريْب فيه، حالة كونه مشابهاً لنطقكم، فكما أنكم لا تشكُّون في أنكم تنطقون، حينما تريدون أن تُعبِّروا بنُطْقكم عن شيءٍ ممَّا في نفوسكم، كذلك قَضَيْنا رزقكم، وما تُوعدون من الجزاء .
 
 

 ]هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)[

قد جاءك ـ يا رسول الله ـ ووصل بالوحي إليك من عندنا قصة الملائكة الذين نزلوا عند إبراهيم ليكرمهم فأكرمهم بنفسه وأحسن استقبالهم .فحرف الاستفهام لطلب التصديق معناه التحقيق ، أي : قد أتاك . وفي هذا تشويق وتفخيم وتنبيه على أن الحدث التالي ليس من علم الرسول، وإنما عرفه بالوحي .
 

]إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)[

 حين صاروا في داره، فقالوا: نُسَلِّم عليك سلاماً، فلك منا الطمأنينة والأمان. قال: عليكم مني سلامٌ أيضاً بالطمأنينة والأمان، أنتم جماعة غرباء لا أعرف أشخاصكم، ولكن لكم عليَّ حقُّ ضيافتكم.
 

]فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)[

فمال إلى أهله الذين كان عندهم أبقاره وذهب بخفِّةٍ وسرعةٍ لضيافتهم دون أن يظهر علامات إرادة إكرامهم، من شدَّة ما لديه من جودٍ وسخاء نفسٍ ،لئلا يَثنوه عن عزمه ، فجاء بولد صغير من أولاد الأبقار، بدين فيه اللحم والشحم.
 

]فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)[

 فقدَّمه إليهم وجعله قريبا منهم ، فلمَّا لم يأكلوا، قال: ألا تتغذَّون؟
 

]فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) [

فأضْمَرَ في نفسه خوفاً منهم حين رأى عليه السلام إعراضهم عن الطعام؛ لأن امتناعهم عن الطعام قد يكون لشر يريدونه ، قالوا له: لا تَفزع واطمئن إنا رُسلٌ من الملائكة، وبلَّغوه ما يسرُّه ويسعده بأنَّ زوجته العاقر «سارَة» ستلد له ولداً، سيكون من أهل العلم بالله ودينه، وهو إسحاق عليه السلام.
 

]فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)[

فتوجهت زوجة إبراهيم «سارة» إلى بيتها مسرعة ، وكانت في زاوية تنظر إليهم وتسمعهم ، ودخلت عليهم في ضجَّةٍ وصَيْحةٍ، فلَطَمَتْ وجْهَهَا بكفيّها بدافع من غيْرتها أن يتزوَّج زوجةً ضَرَّةً لها، صالحةً لأن تحمل وتلد، وقالت: كيف تُبشِّرون زوجي إبراهيم بغلامٍ حليم، وأنا عجوز بلغت سن العجز والقصور، عقيم لا ألد ، فقد اجتمع فيَّ العجز المانع من الولادة ، والعقم الذي يستحيل معه الحمل؟
 

]قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)[

قالت لها الملائكة: مثل ذلك الذي بشَّرناكُمَا به قال ربُّك، وحكم وقضى في الأزل، أنَّك ستلدين غلاماً فلا تتعجبي منه؛ إنه هو الكامل الحكمة، الذي يضع الأشياء في مواضعها، الكامل العلم، المحيط بكلِّ شيءٍ علماً، وبسبب كمال علمه وشموله، فهو يُصلح ما كان سبباً للعقم.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين