المعين على تدبر الكتاب المبين سورة ق - 9 -

الشيخ مجد مكي:
[وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي البِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ] {ق:36}
إننا أهلكنا بالعذاب الدنيوي قبل كفار مكة كثيراً من أهل القرون الماضية إهلاكاً جماعياً، كانوا أضخم وأعنف منهم بأساً وقوة، فاستعملوا قواهم القادرة على البطش في البحث للوصول إلى ما يريدون في البلاد. هل كان للمُهْلَكين الأوَّلين، حين أنزل الله عليهم العذاب من مَهْرَبٍ من القضاء المحقَّق يفرُّون إليه؟!
[إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ] {ق:37}
إنَّ في إهلاك كفَّار القرون الأولى إهلاكاً جماعياً عقابياً لذكرى مُؤثِّرة لمن كان له قلبٌ يعقل به، أو وجَّه كلَّ سمعه لتلقِّي بيانات الله، وهو مُعاينٌ آثار المُهْلكين السابقين معاينة البصير الواعي.
[وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ] {ق:38}
وَنُؤَكِّد بشدَّة لكم أننا أنشأنا وأوجدنا من العدم السَّمواتِ من جو وأجرام وعوالم علويَّة ، والأرضَ موطن الحياة الدنيا وما بينهما من كواكب ونجوم وبحار وعوالم كثيرة جداً في مقدار ستَّة أيام، وما أصابنا من إعياءٍ وتَعَب. وفي هذه الآية ردٌّ على اليهود في قولهم: إن الله استراحَ يوم السبت.
[فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ] {ق:39}
فاثبت ـ يا رسول الله ـ على ما أنت فيه ،وتحمَّل ما يزعمه المُكذِّبون ويختلقونه من الأباطيل، واترك أمرهم إلى الله، فإنَّ الله لهم بالمرصاد، ونزِّه خالقك ومالكك ومربّيك بنعمه تنزيهاً مُقْترناً بالثناء الجميل عليه، ومُصَاحِباً له، قبل شروق الشمس، وهو وقت صلاة الفجر، وما قبل غياب الشمس، وهو وقت صلاة العصر.
[وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ] {ق:40}
ونزِّه ربَّك تنزيهاً مقترناً بالثناء عليه في وقتٍ مّا من الليل مابين الغروب والشروق، وعَقِبَ الصَّلوات الخمس المكتوبة التي تسجد فيها لله عز وجل وتلاصق جبهتك الأرض تذلُّلاً لله.عُبِّر بالسجود عن الصلاة نفسها ، تعبيراً بالجزء عن الكل.
[وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ المُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ] {ق:41}  
وأنْصت وأرْهف السمع ـ يا رسول الله ويا كلَّ مخاطَب، بما أقوله لك في شأن القيامة ـ يوم يصرخ إسرافيل بنفخه في «القرن» من مكان قريب.
[يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الخُرُوجِ] {ق:42}
وقت يسمع الخلقُ كلُّهم النَّفخة الثانية مُتَلَبِّسة بالحقِّ الثابت الذي لا شك فيه، هذا - يوم النداء ويوم السماع - وقت الخروج من القبور.
[إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا المَصِيرُ] {ق:43}
إنا نحن بعظيم قدرتنا خلق الحياة فيما ليست فيه ، ونُميت بفصل الروح عن الجسد عند انقضاء الأجل، وإلى حكمنا وحدنا، وفصل قضائنا، وتنفيذ جزائنا، وإلى المكان الذي نقضي فيه مصيرُ جميع الخلائق ورجوعهم في الآخرة بعد رحلة التخيير والتَّسخير في الدنيا.
[يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ] {ق:44}
إلينا مرجعهم يوم تتصدَّع الأرض عن الموتى في قبورهم، يخرجون منها سراعاً، ويُحشرون في الأرض المُخصَّصة للحشر، ذلك الإحياء بعد الفناء والجمع بشدّة وعنف للعرض والحساب جمعٌ علينا هيِّن سهل ، مستحيل على غيرنا.
[نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ] {ق:45}
نحن أكثر إحاطة واطلاعاً من جميع الخلق بما يقول كفار مكة في تكذيبك واتِّهامك وسِبَابك، وما أنت عليهم ـ يا رسول الله ـ بمُسَلَّط تجْبُرهم على الإيمان، بل أنت مُكلَّف أن تُبلِّغهم وتُبيِّن لهم، وتُقدِّم لهم الحُجَج والأدلة، ووسائل الترغيب والترهيب بما عند الله، فعِظ بالقرآن وخوِّف مَنْ تشعر بأنه يخاف وعيد الله المُعجَّل والمُؤجَّل أقلَّ خوف، فهو مطْمُوعٌ باستجابته لدعوة الحق يوماً مّا، فينبغي تذكيرُه بما سبق أن تبلَّغه وتفهَّمه من بلاغات القرآن وبياناته، أما مَنْ تَتَيقَّن أنه لا يخاف وعيد الله، فإنَّ التذكير لا ينفع فيه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين