المعين على تدبر الكتاب المبين  سورة ق - 7 -

الشيخ مجد مكي
تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما يلقاه من الكافرين وتهديدهم :
[كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ] {ق:12}
جحد بالرسل قبل هؤلاء المشركين من كفار قريش ومن معهم: قومُ نوح، وأصحابُ البئر التي كانوا مقيمين حولها، وثمودُ قوم صالح.
[وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ] {ق:13}  
وعادٌ قوم هود، وفرعون ملك مصر في عهد موسى وأتباع فرعون من القبط العرب ، وإخوانُ لوط الذين تزوَّج منهم وعاش معهم ولم يكن منهم.
[وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ] {ق:14}
وقوم شعيب أصحابُ الشَّجر الكثير الملتفّ بعضه على بعض ، وقوم تُبَّع الحِمْيَري باليمن، كلُّ هؤلاء الأقوام كذَّبوا رسلهم، فصار وعيدي السابق أمراً واقعاً محقّقاً. فاحذروا ـ أيها المكذِّبون ـ برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتابه أن يأخذكم الله بالعذاب كما فعل بالأمم الماضية.
[أَفَعَيِينَا بِالخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ] {ق:15}
أقصدنا وأردنا بدء الخلق، فَعَجَزْنا حين خلقناهم أوَّل مرة، ولم يكن لهم وجودٌ في الواقع قبله، فنَعجِز عن إعادتهم ثانياً بعد فنائهم؟ وذلك لأنهم اعترفوا بالخلق الأول، فكيف ينكرون قدرتنا على إعادة الخلق بعد فنائه على الرُّغم من مساواته للخلق الأول مساواةً تامَّة!! بل كفار مكة في خلط وشبهة من أمر البعث بعد الموت بتأثير رغباتهم وشهواتهم وأهواء نفوسهم.
علم الله سبحانه بأحوال عباده :
[وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ] {ق:16}
ونؤكِّد بشدَّة لكم أننا أوجدنا الإنسان بعظمة ربوبيَّتنا، وأنشأناه وأوجدناه من العدم، ونعلمُ ما تُحَدِّثه نفسُهُ من خواطر خفيَّة، فلا تخفى علينا سرائره وضمائره، ونحن ـ لكمال علمنا وقدرتنا ـ أدنى إليه من أقرب شيءٍ إليه،وألزم له، وهو عرق الوريد، الذي يرد فيه الدم من الجسد على القلب.
[إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ] {ق:17}
حين يكتب المَلَكان الموكَّلان به في صحيفة حسناته وسيئاته كلَّ ما يصدُرُ عنه من عمل أو قول، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السَّيِّئات، كلُّ واحد منهما قاعدٌ حاضر مُلازمٌ لا يبرح.
[مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}
ما يتكلَّم من كلام يخرج من فيه، وما يعمل من عمل إلا عنده مَلَكٌ حافظٌ يكتب قوله، مُعَدٌّ مهيّأ لكتابة ما أُمر به، حاضرٌ عنده، لا يفارقه.
[وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ] {ق:19}
خلقنا الإنسان، ووضعناه موضع الامتحان في الحياة الدنيا، وانتهى أجلُهُ فيها، وأتت غَمْرَة الموت وشدَّة مفارقة الروح للجسد بالحقِّ الثابت الذي لا بد من حدوثه في وقته المحدَّد، ذلك الموت وما معه وبعده من الأهوال هو ما كنت منه ـ أيها الإنسان ـ تهرب وتَفِرُّ في حياتك، فلم ينفعك منه الهرب والفرار.
[وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ] {ق:20}
ونفخ إسرافيل في «القرن» نفخةَ البعث الثانية؛ لتعود الأرواح إلى أجسادها، ذلك اليوم الذي وعد الله الكفار أن يُعذِّبهم فيه.
[وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ] {ق:21}  
وأتت وحضرت في يوم الوعيد كلُّ نفسٍ بروحها وجسمها، بَرَّةٍ أو فاجرة، يرافقها سائقٌ من الملائكة يدفعها إلى المَحشر، وشهيدٌ من الملائكة يشهد عليها بما عملت في الدنيا من خير وشر.
[لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ] {ق:22}
يقال للكافر إذا عاين ما لم يكن يُصدِّق به في الدنيا لغفلته: نؤكِّد لك أنك كُنتَ مُنْغمساً في غفلةٍ، غارقاً في متاع الحياة الدنيا وزينتها وشهواتها، نافراً من هذا الذي تُعاينه، فأزلنا عنك غطاءَكَ الذي كان على قلبك وسمعِك وبصرِك في الدنيا، فزالت عنك الغفلة التي كانت تحجبك عن أمور المعاد، فبصرُك اليومَ قويٌّ ثابت نافذ، تُبصر به ما كنت تجحده في الدنيا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين